بعد الرعود تهطل الأمطار

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

لم تكن حياة سقراط الزوجية على مقربة من السعادة ولو بإنش واحد؛ بل كانت أبعد ما تكون عن البهجة والمودة والانسجام الزوجي، تتخللها مشكلات يومية لا تعد ولا تحصى مع زوجته «زانتيب» التي جعلت حياته جحيماً لا يطاق.
حيث لم تستطع الزوجة تقبل ماهية زوجها الحقيقية؛ المتمثلة في تصرفاته الغريبة العجيبة، وقابليته إلى التخلي عن أي شيء في هذا العالم، مقابل اكتساب المعرفة والحكمة، والحصول على الإجابات التي يرنو إليها في هذا الوجود الذي أثار تساؤلاته الكثيرة، إلى جانب ازدرائه الدائم لتصرفات البشر وأهوائهم وتمسكهم بملذات الدنيا. كل ذلك أثار حنقها واستياءها الشديدين؛ إذ كانت ترى زوجها محض رجل صاحب أفكار عابثة غبية لا تمت للواقع بصلة.
وكان سقراط يلزم الصمت فلا ينبس ببنت شفة كلما انفجرت زوجته غضباً، وبدأت تصيح محاولة جرّه إلى الشجار والمشاحنة من غير جدوى، فكان لا يلقي بالاً لانتقاداتها المتكررة وكلماتها الجارحة، مما جعلها تزداد استياء وحنقاً، فكيف بوسع أحد على وجه الأرض أن يبقى ساكتاً رغم كل الإهانات التي توجَّه إليه!
وعندما أدركت أخيراً أن الكلام النظري لن ينفع بشيء مع زوجها العنيد، قررت تجربة شيء عملي كملاذ أخير لدفعه إلى الرد، فقامت ذات يوم بملء وعاء من الماء ثم اتجهت صوبه وأفرغته على رأسه، فما كان من سقراط إلا أن أعاد ترتيب ملابسه بهدوء شديد، وأرجع خصلة الشعر الوحيدة التي كانت تغطي رأسه الأصلع إلى مكانها الصحيح وهو يتمتم بصوت خفيض: «بعد كل هذه الرعود فلا مناص لي من توقع هطول المطر».
إن ما قام به سقراط هو تعبير عن فلسفة جميلة تبين لنا أن علينا المضي قدماً في حياتنا ومواصلة مشوارنا حتى النهاية على الرغم من كل التحديات التي تعترضنا على طول الطرق، وحتى لو لم يؤمن جميع من حولنا بأهمية أفكارنا وأحلامنا وبقدرتنا على تحقيق النجاح الذي نصبو إليه.. ففي بعض الأحيان يكون أقرب الناس إلينا هم من يدفعوننا إلى طريق الفشل بقصد أو من دون قصد.
لكن مع ذلك كله، لا يجب أن نتخذ موقف الغير منا عذراً أو شماعة نعلّق عليها إخفاقنا المستمر، وعدم قدرتنا على تحويل أحلامنا إلى واقع ملموس. فمن يطمح إلى القمة والنجاح الحقيقي فعلاً لن تثنيه زمجرة الرعود القوية ولا أمطار السماء الغزيرة، طالما أنه يحمل فوق رأسه مظلة الإصرار على بلوغ الهدف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"