ألمانيا تبني جيشها

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين
كلمة الخليج

يبدو أن التطورات العالمية الأخيرة، بدءاً من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من دون تنسيق مع الحلفاء الغربيين وبشكل أشبه بالهزيمة العسكرية، وصولاً إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان له الأثر الكبير في أن تفكر ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية بضرورة إعادة النظر بسياساتها السابقة التي كانت تعتمد على الحمايات الخارجية لأمنها، كالمظلة الأمريكية أو مظلة حلف الأطلسي. 

القرار الذي أعلن عنه المستشار الألماني أولاف شولتس يوم 27 فبراير/شباط الماضي، بتخصيص 100 مليار يورو للقوات المسلحة، وزيادة الإنفاق العسكري بأكثر من اثنين في المئة من إجمالي الناتج المحلي، بدلاً من واحد ونصف في المئة، يعد بالمقاييس الألمانية «قراراً ثورياً»، لأنه يخرج بالسياسة الألمانية إلى مسار جديد، باتجاه تشكيل جيش قوي، يتناسب والقدرات الاقتصادية الألمانية، واحتياجات ألمانيا الأمنية في عالم مضطرب يموج بالصراعات والتحديات.

ألمانيا بهذا القرار تتخلى عن تداعيات ونتائج الحرب العالمية الثانية التي فرضت عليها قيوداً عسكرية، منعتها من تشكيل جيش قوي عصري. بعد سقوط جدار برلين اشترطت اتفاقية 2+4 (ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا) على ألا يتجاوز قوام الجيش الألماني الموحد ال285 ألف جندي، والأمر لا يزال قائماً حتى الآن. 

كان الهدف على ما يبدو حرمان ألمانيا من بناء قوات مسلحة جديدة، يمكنها في ظل أزمات معينة، أن تكون قادرة على حماية نفسها، وأن تظل رهينة حماية حلف الأطلسي الذي يعد الذراع العسكرية الأمريكية في أوروبا.

لكن بعدما اتضح لألمانيا ومعها فرنسا أن الحلف لا يحمي القارة؛ وأن الاعتماد على الحماية الأمريكية مشكوك فيها، فقد بدأتا التفكير في تقوية جيشيهما الخاصين، وفي تشكيل جيش أوروبي موحد. 

قائد الجيش الألماني الجنرال الفونس ميس مثلاً اعتبر أن الجيش الألماني «خالي الوفاض»، وقال: إن هذا الجيش لا يستطيع أن يقدم للحكومة «إلا خيارات محدودة جداً»؛ أي أن هذا الجيش لا يستطيع القيام بمهام واسعة، إذا طلبت منه الحكومة ذلك.

الحقيقة أن أحزاباً ألمانية عدة كانت تطالب على مدى العقود الماضية ببناء جيش قوي محترف، ولديه إمكانات عسكرية حديثة ومتطورة، لكن القيادات السياسية كانت تعارض هذا المسعى. 

 الآن تغيرت الظروف؛ حيث ترى القيادة السياسية الحالية أن ألمانيا تعرضت للظلم، وحان الوقت لبناء جيش يليق بها. خصوصاً أن ألمانيا الحالية هي غير ألمانيا النازية، وهي دولة ديمقراطية وتقود الاتحاد الأوروبي، وتنتهج سياسة سلمية، ولها علاقات جيدة مع مختلف دول العالم، عدا أنها تخلصت من إرث النازية العنصري. 

الباحث في جامعة السوربون هانز تشارك يرى أن فرنسا لم تعد خائفة من ألمانيا القوية، ولطالما حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السعي إلى تشكيل جيش أوروبي موحد وقوي بالشراكة مع المستشارة الألمانية السابقة ميركل؛ بهدف التخلص من الأمن المستعار، بعدما أيقن أن هذا الأمن لا يحمي دول الاتحاد الأوروبي.

ألمانيا قوية فهذا يعني أن أوروبا قوية ومستقلة، وتستطيع أن تتخذ قراراتها بحرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كلمة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"