أوكرانيا.. «حصان طروادة»

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا يترك تنظيم «داعش» الإرهابي مناسبة إلا ويقتنصها في سبيل تعزيز صفوفه، وإعادة بناء ما فقده خلال السنوات الماضية بعدما انهارت «دولته» في العراق وسوريا. فالحرب الطاحنة الدائرة رحاها الآن بين موسكو وكييف في أوكرانيا، فتحت للتنظيم باباً للولوج إلى الدولة السوفييتية السابقة ليبدأ العمل على بناء قاعدة فيها تكون نقطة انطلاق نحو قلب أوروبا لتنفيذ عملياته الإجرامية فيها مستقبلاً.

فمع حشد الغرب لما يسمى «المتطوعون» والمرتزقة للقتال إلى جانب الأوكرانيين ضد الروس، ولجوء موسكو لاحقاً للفكرة ذاتها عبر جمع مقاتلين لضخهم في الجبهات، دون التدقيق بهوياتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الفكرية، قد يشرع الأبواب أمام أنصار التنظيم ومريديه للدخول في أوكرانيا المهتزة أمنياً بفعل الحرب، ثم البدء في تنظيم صفوفهم في خطوة قد تكون «حصان طروادة» لتغلغلهم داخل أوروبا، من خلال بناء قاعدة لوجستية تنطلق منها عملياتهم الإرهابية بشكل أكثر تنظيماً وتأثيراً، بعدما كان «داعش» يعتمد في السابق على عمليات «الذئاب المنفردة».

التنظيم يملك في سبيل ذلك أموالاً ورثها خلال احتلاله نصف العراق، وآلاف العناصر المتحفزين المنتظرين لإشارة بدء التنفيذ، فثمة تقديرات أمنية غربية أكدت أن هناك الآلاف من أوروبا بشقيها الشرقي والغربي انضموا ل«داعش» في ذروة نشاطه بين 2014-2019، إلى جانب المئات من أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا. بينما أكدت المفوضية الأوروبية، في إحصائية صادرة عنها عام 2021، أن 30% من الإرهابيين بالتنظيم من القارة العجوز، عادوا إلى بلادهم، بينما قتل نحو 10% منهم خلال الحرب.

هذه الأرقام تشير إلى أن ثمة عوامل مساعدة للتنظيم في استغلال الظرف القائم، عبر تلبية دعوات القتال، ثم الانخراط بشكل معاكس لمهاجمة من حشدهم، وما التجربة الأفغانية عنا ببعيد، عندما دعمت واشنطن المقاتلين الأفغان لقتال السوفييت، ثم ما لبثت أن وصمتهم بالإرهاب، بعدما حولوا بنادقهم إلى المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وصولاً إلى ضربهم في القلب عبر استهداف برجي التجارة والبنتاجون في 2021، الأمر الذي قاد بعد ذلك إلى حربين كبيرتين في العراق وأفغانستان.

والوضع في أوروبا الشرقية أخطر من الغربية، لأن ثمة بيئة خصبة للتنظيم هناك حتى قبل اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، ف«داعش» يمتلك فيها خلايا نائمة عناصرها متحدرين من دول عدة في منطقة القوقاز، قد يتم تفعيلها الآن مع الفوضى الحاصلة، فخلال العامين الماضيين فقط استطاعت كييف تفكيك 3 خلايا ل «داعش» في المدينة، والقبض على نائب وزير الحرب في «داعش» عمر الشيشاني، وهذا الكشف يشير إلى أن ثمة بؤراً للتنظيم قد تسهل دخول مسلحين جدد تحت بند المتطوعين في القتال.

اعتماد طرفي القتال في أوكرانيا على المرتزقة، لا يبشر بخير، فهم يسلحون ميليشيات يمينية متطرفة وتنظيمات إرهابية متأهبة، قد ترتد عليهم عندما تبرد الحرب، وأمثلة التاريخ كثيرة، فالخطر الكامن من ورائهم أكبر بكثير من حرب الجيشين الدائرة الآن، وإن لم يتم الاستغناء عن خدماتهم مبكراً.. قد لا تستطيع أوروبا مجتمعة السيطرة على العمليات الإرهابية لاحقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"