عادي

«الياثوم» و «لامع بلا ألوان»يلامسان مخاوف الحياة المعاصرة

00:07 صباحا
قراءة 6 دقائق
مهرجان أيام الشارقة المسرحية/تصوير محمد الطاهر/١٩/٣/٢٠٢٢
مشهد من «لامع بلا ألوان»

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن فعاليات مهرجان أيام الشارقة المسرحية، شهد معهد الشارقة للفنون المسرحية، أمس الأول الجمعة، عرض «الياثوم» لمسرح «ياس»، تأليف: سالم الحتاوي، إخراج: حمد عبد الرزاق، في ما جاء العرض الثاني بعنوان «لامع بلا ألوان»، لجمعية الشارقة للفنون الشعبية والمسرحية، تأليف: سامي إبراهيم بلال، إخراج: إبراهيم سالم.

عرض «الياثوم» هو عبارة عن حكاية مستلهمة من التراث، قصة تنتمي إلى عوالم «الميثولوجيا»، أو الخراريف باللغة المحلية في الإمارات، و«الياثوم»، أو «الجاثوم»، هو يعني الكوابيس، أو شلل النوم وهو الحالة التي تحدث أثناء الغفوة، يكون فيها الشخص واعياً، لكن غير قادر على التحرك أو الكلام، وقد يصاب الفرد بالهلوسة، وهو يعني كذلك أن يشعر الإنسان بأن هناك روحاً غريبة تتلبسه.

وينفتح العمل على حكاية الشاب عبدالله مسعود «صقر»، والذي تتحول حياته إلى جحيم بسبب «جنية» عاشقة، تعلق قلبها به، فحرمته من النوم والعيش الطبيعي انتقاماً منه لأنه قد تزوج بابنة عمه، وهو الأمر الذي لم يعجب الجنية، التي عملت كذلك على الانتقام من الزوجة الجديدة وكذلك والدة صقر الكفيفة، ليستمر الصراع بين الجنية وأفراد الأسرة الذين صارت تتلبسهم أرواح غريبة ويعيشون أوقاتاً صعبة يتخيلون فيها أشياء ومواقف غير حقيقية وكأن جيشاً من الأشباح قد سكن في عقولهم وأرواحهم، وبعد مشقة وعنت شديدين، تلجأ الأسرة إلى طلب العون والمساعدة والعلاج من أحد رجال الدين، وبعد فترة من المحاولات ينجح ذلك الرجل في طرد الأرواح الشريرة عبر قراءة القرآن الكريم.

صراع

العرض يعكس صراع الإنسان مع العوالم الخفية، والخوف الذي يتسرب إلى قلوب وعقول الأفراد من الأشياء الغريبة في الطبيعة والتي لا يعلم عنها شيء، لذلك، فإن العرض اعتمد على طرح الأسئلة التي تجعل المرء في مواجهة تلك العجائبيات، ويعالج ضمنياً مسألة خضوع المرء لمثل تلك القوة التي قد تسيطر عليه وتسلبه إرادته وتعكر صفو حياته، كما أن العمل يتناول، بصورة أوسع، فكرتي الشر والخير، وأن الأخير سينتصر طالما أن الإنسان يتسلح بقوة الإيمان.

ديكور عصري

ويعتبر الكاتب الراحل سالم الحتاوي «1961 – 2009»، مؤلف النص من أكثر الكتاب الذين عالجوا قضية التراث والميثولوجيا في أعمال متعددة، وعلى الرغم من أن نص الجاثوم قد تم تناوله من قبل مخرجين عديدين، إلا أن المخرج حمد عبد الرزاق سعى نحو تقديم رؤية جديدة مختلفة من خلال نقل الفكرة من الواقعية إلى التجريد في العرض، وكذلك عبر توظيف أدوات مسرحية حديثة مثل الديكور الدائري المتحرك، الذي يتنقل بواسطة الممثلين أنفسهم والذي استعان به من الانتقال عبر الأمكنة؛ أي تحريك الأحداث والمجاميع من مكان إلى آخر، كذلك استعان المخرج بأدوات عصرية أخرى مثل البروجكترات والرقصات التعبيرية، وتقنية الدوران على المسرح، لكن على الرغم من كل ذلك فإن طبيعة العرض لم تخرج كثيراً من الحالة التقليدية، لكن العرض بصورة عامة جاء ممتعاً، ولعل أكثر مما ساعد على ذلك هو الأداء التمثيلي المميز من قبل فرقة التمثيل، خاصة في حالات الانتقال من حالة إلى آخري.

رؤية تقليدية

وفي ندوة «الياثوم»، أبدى العديد من النقاد إعجابهم بالنص المسرحي الذي استلهم الميثولوجيا، وأشاروا إلى أن المخرج قدم معالجات جيدة واشتغالات على مستوى السينوغرافيا، مع أداء تمثيلي مميز من قبل عدد من النجوم خاصة بطل العمل «عبدالله مسعود»، الذي قدم أدائية رائعة واستطاع أن يرفع من مستوى وإيقاع العرض، وأوضحوا أن تعدد الأصوات داخل الشخصية الواحدة، في لحظة الانتقال من حالة إلى أخرى كانت جيدة، كما أن الأفكار الإخراجية نفسها جاءت مميزة وخدمت العمل، وذكروا أن المخرج لجأ إلى الديكور المتحرك للانتقال في الأمكنة المختلفة، غير أن الانتقال من مكان إلى آخر كان يمكن أن يتم بصورة أسهل وأفضل بدلاً من اللجوء إلى تلك الآلة الضخمة التي يتم تحريكها بصعوبة، وأوضحوا أن هذا النوع من النصوص يخضع لفكر المخرج، غير أن مخرج العمل لجأ إلى الأسلوب التقليدي.

من جانبه ذكر مخرج العرض أحمد عبد الرازق، أن هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها عملاً لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، وتحدث عن بعض الجوانب الفنية والتقنية والحلول التي قدمها عبر العمل، مشيراً إلى أنه كان من الطبيعي أن يلجأ إلى الأسلوب التقليدي، وذلك لأن النص نفسه هو في الأصل عبارة عن حكاية شعبية، بالتالي جاء الأسلوب الإخراجي في ذات الإطار الشعبي من أجل ضمان أن تصل القصة للجمهور بصورة وشكل مبسطين، وأوضح عبد الرزاق أن هنالك بعض الهنات لأسباب تقنية خارجة عن الإرادة، مقدماً إشادة خاصة بالممثلين وذكر بأنهم استطاعوا أن يقدموا تشكيلات رائعة.

انتظار

العرض الثاني «لامع بلا ألوان»، يلعب على فكرة الانتظار، ويقترب كثيراً من عوالم تيار «العبث»؛ حيث يتناول النص العديد من القضايا المعاصرة ويطرح في ذات الوقت المزيد من الأسئلة الفكرية والفلسفية والاجتماعية المتعلقة بالإنسان في العصر الحديث، في عالم بلا روح ولا قلب؛ حيث كل شيء هو متشظٍ؛ وحيث تسود الفردية التي تكاد تقضي على متعة العيش، وكذلك اغتراب الإنسان عن جوهره، واستغلال المرء لأخيه.

وينفتح العمل على قصة شخصية تعيش حياة معقدة، وهو مخرج مسرحي متقاعد ويدعى «لامع»، وهو فنان مبدع يتقدم به العمر ويقضي حياته بعد المعاش على أريكة بقرب الهاتف في انتظار مكالمة ما، لكنها لا تأتي أبداً، ليس لديه من «يهاتفه»، أو من ينتشله من حياة الانتظار غير المجدي، والملل القاتل، لكنه على الرغم من ذلك يظل سمعه معلقاً برنة من الهاتف، بمكالمة تعيده إلى العمل، وفي تلك الأثناء وبينما هو في تلك الحالة تمر السنوات ويعيش الرجل في أزمة حقيقية بعد أن صار رهيناً للأوهام والظنون القاتمة والفوضى والارتباك والقلق وغير ذلك من المشاعر النفسية السلبية.

ويظل لامع يحياً في عوالم خيالية، ويصاب بنوع من الارتباك؛ حيث تتمكن منه «نظرية المؤامرة»، فيتخيل أن وجوده في البيت هو نتيجة عمل مدبر من قبل زملائه من المسرحيين الجدد الذين يريدون أن يمارسوا عليه فعل الإقصاء نسبة لتفوقه وذكائه، ليجد نفسه في النهاية يعيش بعيداً منزوياً عن الجميع حتى أقرب الناس إليه، في سلبية شديدة، فهو لم يعمل على تغيير واقعه؛ بل ركن إلى الاستسلام واليأس والاكتفاء بالانتظار.

عزلة المثقف

العمل يعالج كذلك قضية المثقف في عزلته المجيدة، ويمارس العديد من الإسقاطات على مستوى الواقع والحياة العصرية، وكذلك قضايا الحرية وعلاقة المثقفين بكل أنواع السلطات، في قالب من الكوميديا القاتمة والسخرية الشديدة التي تعمل على فضح المواقف والدواخل ونقد المجتمع والأفراد، وكذلك يتناول العمل بصورة أكبر فكرة الانتظار ويحاكمها باعتبارها موقفاً سلبياً من الواقع؛ حيث إن الانتظار ليس هو الفعل الصحيح في مواجهة الأزمات ومشاكل الحياة فلابد من السعي والعمل.

وعلى الرغم من أن هذا العمل قد قدم من قبل باسم مختلف «كوميديا بلا ألوان»، إلا ان إبراهيم سالم قد سعى نحو تقديم رؤية إخراجية مختلفة، من خلال توظيف عدد من الممثلين الشباب، من خريجي المسرح، من أجل تنفيذ طريقة المخرج عبر أسلوب معين تستوعب طريقة الأداء الحركي الإيمائي من أجل خدمة العرض وإنجاحه بالطريقة الأفضل والأمثل، وبالفعل فقد نجح فريق التمثيل من تقديم أداء مميز بتناغم وانسجام كبيرين، الأمر الذي يشير إلى استيعابهم للنص والرؤية الإخراجية.

عمل نخبوي

في الندوة التطبيقية التي أعقبت عرض «لامع بلا ألوان»، قدم النقاد المشاركون إشادة كبيرة بالعمل، وذكروا أن النص جاء مميزاً يحتشد بالإرشادات الدرامية وكأنه قد كتب خصيصاً للمسرح، وأشاروا إلى أن المؤلف سامي بلال، هو صاحب إمكانيات رائعة في الكتابة، ولفتوا إلى أن المخرج إبراهيم سالم استطاع أن يقدم رؤية إخراجية جيدة مع أداء تمثيلي مميز، ووصف بعضهم العرض بأنه تجريدي، وبينما ذكر نقاد أنه ينتمي إلى مسرح العبث، أشار آخرون إلى أن الحوارات الواضحة بين الممثلين تجعل العرض لا ينتمي إلى أفكار العبث، وأكد بعضهم أن التواصل مع الجمهور كان صعباً، وذلك لطبيعة العمل نفسه فهو نخبوي يصلح بالفعل للمهرجانات، لكنه لا يصلح للجمهور العادي.

ومن جانبه ذكر مخرج العرض إبراهيم سالم، أن أي اختلاف حول عمل ما هو أمر مفيد ويصب في مصلحة ذلك العمل، مشيداً بفرقة التمثيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"