عادي
تقيس قدرات أولياء الأمور ولا ينتفع منها الدارسون

المشاريع الطلابية.. تكليفات للمتعلمين وأعباء على الوالدين

02:05 صباحا
قراءة 7 دقائق
3

تحقيق: محمد إبراهيم

المشاريع الطلابية أداة فاعلة لتنمية مهارات الطلبة؛ إذ إنها تستنهض طاقاتهم، وتُفعل الجوانب الإدراكية والفكرية والمهارية لديهم، وتساعدهم على توظيف قدراتهم، والارتقاء بمكتسباتهم المعرفية بتجسيدها في مشاريع علمية ومعرفية متنوعة، لكن إذا كانت تلك المشاريع تكليفات للطلبة، ينفذها أولياء الأمور، وعبرها تختبر قدرات الوالدين؛ فالأمر هنا يحتاج إلى إعادة التفكير في جديتها وفاعليتها. عدد من أولياء الأمور أكدوا أن الوالدين مؤد أساسي في تنفيذ المشاريع الطلابية، التي تأتي وفق تكليفات المعلمين للأبناء في مختلف مراحل التعليم، لأنها، كما يرون؛ مضيعة للوقت وتبديد للجهود وزيادة في النفقات. مطالبين بتدخل الجهات المعنية بالتعليم لتخيف أعباء تلك المشاريع عنهم، وإيجاد رقابة فاعلة للوقوف على فاعليتها وأهميتها للطلبة.

في وقت يرى عدد من المعلمين، أن المشاريع تسهم في الارتقاء بمهارات الطلبة، لربط معارفهم الصفية بواقع حياتهم اليومية، موضحين أن دور الوالدين ينضوي في مساعدتهم وليس في تنفيذ المشاريع بشكل كامل.

الجهات القائمة على التعليم، شددت على إدارات المدارس، بعدم مطالبة الطلبة بتنفيذ أي مشروعات خارج المدرسة، على أن تُنفذ الأنشطة الطلابية داخل المدرسة والغرف الصفية، وعدم تحويلها إلى تكليفات ينفذها الطلبة خارج الصفوف أو في البيت، لكن تكليفات المدارس بهذه المشاريع خارج نطاق الصف مازال مستمراً.

«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي بمختلف فئاته، مدى جدية المشاريع الطلابية وأهميتها وانعكاساتها على المتعلمين، وترصد معاناة أولياء الأمور المادية والمعنوية، بسبب الأعباء التي تثقل كاهلهم بسبب تلك المشاريع.

ادعاء غير صحيح

البداية كانت مع أولياء الأمور: سامي مراد، ومهران حمد، وسلمى عبدالله، وسمية متعب، وشيماء آل علي؛ إذ أكدوا أن المشاريع الطلابية تشكل أعباء كبيرة على أولياء الأمور، لاسيما أنه على الرغم من تكليف الطلبة بها، ينفذها الوالدان، من دون أن تنفع الطلبة بها معرفياً أو مهارياً، كما تدعي بعض إدارات المدارس أنها تسهم في تنمية مهارات الطلبة.

وأوضحوا أن الأمر هنا يعد إشكالية كبيرة؛ إذ إن المتعلمين غير منتفعين، بتلك التكليفات، والآباء والأمهات دائماً ما يواجهون أعباء إضافية بجانب واجباتهم الأساسية، لذا ينبغي إعادة التفكير في تلك المشاريع وفاعليتها وتأثيرها في الطلبة.

مهارات مطلوبة

وقالوا إن الأسر، التي لديها أكثر من طالب في مختلف مراحل التعليم، تعد الأكثر تضرراً وعبئاً، بسبب تلك المشاريع التي أثقلت كاهلها معنوياً ومادياً، فضلاً عن الوقت الذي يقتطعه الوالدان للجلوس مع الطالب، لمساعدته على إنجاز المشروع.

وأشاروا إلى أن بعض المشروعات المطلوبة تتطلب مهارات لا يمتلكها الطلبة في صفوف الحلقة الأولى والثانية، ويواجه طلبة المرحلة الثانوية أيضاً تحديات كثيرة في بعض المشاريع، ما يجبر معظم أولياء الأمور على تنفيذ تلك المشروعات بأنفسهم، وهناك عائق آخر نراه في الكلفة المرتفعة لتنفيذ تلك بعض المشروعات، لاسيما التي تتعلق بإعداد مشروع مجسم، ما يرفع سقف نفقات الأسر على تعليم أبنائهم، لتشكل هذه الأنشطة أعباء متجددة تعانيها الأسرة.

ضرورة الالتزام

وأكدوا ضرورة التزام إدارات المدارس، لاسيما «الخاصة»، بتوجيهات الجهات القائمة على التعليم، بعدم تنفيذ الأنشطة الطلابية خارج نطاق المدرسة، والتعاطي معها داخل الغرف الصفية، على أن يشرف المعلمون على الجانب المهاري والمعرفي للطلبة داخل المدرسة؛ حيث ستكون هناك فرصة كبيرة لهم للوقوف على نقاط القوة، ورصد مواطن الضعف المهاري، والعمل على معالجته بطرائق تربوية وتعليمية صحيحة لا يملكها الوالدان.

وأوضحوا أن العملية التعليمية تعد المهمة الأولى للمدرسة وليس للبيت، خاصة أن كثيراً من الطلبة ليست لديهم المقدرة على إنجاز تلك المشاريع، ويعولون على الآباء والأمهات لإنجاز مهام المشروعات، مشيرين إلى أنه إذا كان الهدف من هذه المشروعات تعليم الطلبة الاعتماد على أنفسهم، فإن مساعدة الأهل لأولادهم أضاعت محتوى هذا الهدف.

ممارسة عملية

في وقفة مع عدد من المعلمين، إبراهيم القباني، وريبال غسان العطا، وسماح شوقي، ومي عبدالله، ونضال سمعان، أكدوا أن استماع الطالب إلى شرح الدروس والعلوم من المعلم، من دون ممارسة عملية، يشكل عائقاً كبيراً في ترسيخ المعارف في أذهان الطلبة، وهنا تأتي أهمية ممارسة النشاط المرتبط بالمادة نفسها، لربط المواد العلمية بأنشطة عملية، وهذا بطبيعة الحال يزيد لدى المتعلمين مهارات البحث والاستقصاء.

وأفادوا بأنه قبل إنجاز أي مشروع، يشرح المعلم للطلبة الأساسيات التي يحتاج إليها عند تنفيذ المشروع وطريقة تنفيذه والهدف منه، لكن الأهل دائماً يسارعون إلى مساعدة أبنائهم، من دون إدراك أن الطلبة قادرون على تنفيذ هذه المشروعات بمفردهم، وعلى الوالدين القيام بمهام الإشراف والمتابعة فقط، من دون التطوع وتنفيذ مشروعات أبنائهم كاملة، ليمنحوا الطلبة فرصة تطبيق ما اكتسبوه من معارف وعلوم ومهارات.

تنمية الشخصية

وأوضحوا أن الهدف من هذه المشاريع بناء شخصية الطالب وتنمية مهاراته، ودعمه وتحفيزه، والإسهام في تدريب الطالب على كيفية البحث عن المعلومة ووسائل التعامل معها، ومن ثم إخراجها بجهود فردية أو جماعية، فضلاً عن إتقانه مهارات البحث والاستقصاء وجمع المعلومات.

وأكدوا أن المشروع الشخصي للطالب، يسهم في تنمية الكفاءات وتربية المتعلمين على الاختيار وتحديد مشروع شخصي عبر تنمية القدرة على التحليل والتركيب والملاحظة والاستنتاج والتقويم والإشراك والتفاعل مع المحيط والبحث العلمي للحصول على المعلومات، فضلاً عن تعزيز ثقة الطالب بنفسه وبقدرته على تحمل المسؤولية، وإنجاز المهام الموكلة إليه، كما تسهم في زيادة المعارف العلمية والثقافية والفنية.

وأضافوا أن التعلم القائم على المشاريع، يعد طريقة فاعلة لتحويل المنهاج إلى نواتج تعليمية مفيدة؛ إذ تقدم أنشطة وأمثلة حقيقية واقعية ليتفاعل معها المتعلم؛ حيث يتسنّى للطالب أن يصل إلى محتويات واقعية، وطرح أفكاره وتبادلها مع أفكار الآخرين، ليصبح بعد الانتهاء من المشروع أكثر فهماً وإدراكاً للمحتوى، الذي يبقى محفوظاً في ذاكرة الطلبة بعلومه ومعارفه، لأوقات أطول مقارنة بطرق التعليم التقليدية، موضحين أن الطلبة الذين يكتسبون علومهم ومعارفهم بالتطبيق والممارسة، يعدون الأفضل من حيث المستوى العلمي والمعرفي في مختلف مراحل تعليمهم.

مفهوم خطأ

ويرى الخبير الدكتور وافي الحاج، أن هناك مفهوماً خطأ لدى بعض المعلمين لمضمون المناهج المطورة، على الرغم من الحقائب التدريبية المستمرة التي يخضعون لها؛ إذ إن المطلوب من الطالب مشروع واحد فقط، لمادة واحدة يختارها بما يناسب ميوله ورغباته وقدراته.

وأكد ضرورة أن يكون تنفيذ تلك المشروعات في المدرسة، تحت إشراف المعلم، لمعالجة نقاط الضعف في كل طالب وتوظيف مصادر القوة والمهارات التي يتمتع بها المتعلمون وتختلف من طالب إلى آخر، لاسيما أن مشروعاً واحداً لا يشكل أية أعباء على المعلم؛ بل يسهم في زيادة الحماسة والشغف والإقبال عند الطالب وخلق روح التنافس مع زملائه لإنجاز مشاريع أكثر أهمية، يمكن استخدامها وسيلة تعليمية تساعد المعلم والمتعلم على تسهيل المعلومة والتوسع فيها أيضاً بطريقة جاذبة ومقبولة.

هنا تأتي المشكلة

وأوضح أن تدخل أولياء الأمور في إنجاز تلك المشاريع، يفقدها الأهداف التي وضعت من أجلها، وهنا تأتي المشكلة؛ إذ إن الطالب يكلفه معلمه، وولي الأمر هو من ينفذ المشروع، من دون تحقيق أية استفادة للطالب، ويبقى الوضع كما هو عليه ولا تطوير في مهارات أو المعارف المكتسبة لدى المتعلمين، وهنا تأتي أهمية الملاحظة والمتابعة وتنفيذ المشاريع الطلابية داخل المدرسة بجدولة زمنية تتيح لكل طالب تنفيذ مشروعه بمهارة واحترافية. وأكد أهمية جاهزية المدارس، وتطوير البنية التحتية وتجهيز مختبرات وغرف الابتكار والتميز، بشكل يثر شغف المتعلمين ويفتح لديهم مدارك الإبداع، فضلاً عن ضرورة تخصيص أماكن لحفظ تلك المشروعات تحفيزاً للطلبة على المضي قدماً نحو المزيد منها، لأنها أحد مصادر التعلم التي تشجع المتعلمين على الابتكار، فضلاً عن الاستفادة منها خلال التعليم والتعلم، والاستناد إليها عند شرح المعلم لبعض الدروس، مؤكداً ضرورة تفعيل المعارض والفعاليات الداخلية «في المدرسة» لعرض الإبداعات الطلابية.

تكاليف وأعباء

وفيما يخص التكاليف التي يتكبدها أولياء الأمور بسبب المشاريع التي تطلبها المدارس من المتعلمين، وما تسببه من أعباء لا تقوى عليها شريحة كبيرة من أولياء الأمور، لاسيما المحدودي الدخل، ومن لديهم أكثر من طالب في مختلف مراحل التعليم، أفاد الحاج بأن الموضوع ليس زيادة تكاليف وأعباء على الأهل والطالب فقط؛ بل التعليم التطبيقي يستند إلى تنفيذ الطلبة لمشروعات تنموية خلال مراحل التعليم، بهدف تحقيق التشاركية في العملية التعليمية ليكون التعليم ذا اتجاهين، يؤدي فيه المعلم دور الموجه والمحفز والطلاب دور الباحثين والمبتكرين، لكن الإشكالية تكمن في التطبيق العشوائي الذي يبدد أوجه الاستفادة من تلك المشاريع، وتضيع معه أهدافها التعليمية والتنموية، ويجعلها مجرد وسيلة للحصول على العلامة من دون أي فائدة.

فيما منعت الجهات القائمة على التعليم، تنفيذ الأنشطة والمشاريع الطلابية خارج أسوار المدرسة، لتكون المدرسة بيئة فاعلة للإبداع والابتكار التي تحقق الشغف في نفوس الطلبة، فضلاً عن منع مطالبة أولياء الأمور بسداد قيمة المحتويات لمشاريع أبنائهم في المدارس، أو إلزامهم بسداد أية تكاليف خاصة بتلك الأنشطة.

إشكالية كبيرة

أفاد عدد من أولياء الأمور بأن المشروعات العلمية التي يكلف بها الطلبة في مدارسهم، أصبحت إشكالية كبيرة تشكل أعباء متجددة على الطلبة والوالدين، لاسيما أن هناك مشاريع تصل كلفتها إلى 1500 درهم، لغلاء المحتويات، ويكون ولي الأمر مضطراً لشرائها وتنفيذ مشروع ابنه مقابل حصوله على درجات النشاط.

تفاوت في التعاطي

أظهرت عملية رصد «الخليج»، أن هناك تفاوتاً بين المدارس في التعاطي مع ملف مشروعات الطلبة؛ إذ أكد عدد من مديري المدارس، أهمية المشروعات الطلابية؛ إذ تشكل الجانب التطبيقي في العملية التعليم ولا يجوز إهماله، فضلاً عن الاستفادة منها عند شرح بعض الدروس، في المقابل لم تعر بعض المدارس أي اهتمام بالاحتفاظ بالمشاريع الطلابية والاستفادة منها؛ إذ يتخلص منها أو تخزّن في أماكن غير مناسبة وبطريقة عشوائية، وهنا الطالب لا ينتفع بها، والمعلم لا يوظفها بالشكل الصحيح، وأولياء الأمور يسددون الفاتورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"