عودة الأفكار القبيحة

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

يبدو أن اليوم الذي يعود العالم فيه إلى أفكاره القبيحة قد اقترب إذا لم يتدارك ذلك بحكمة. ونعني بالأفكار القبيحة عودة التمييز العنصري وفق اللون والعقيدة واللغة، ونظرة العالم (المتقدّم) إلى العالم الثالث، وإعادة الاعتبار للتحالفات المستندة إلى أفكار قديمة جديدة ظنّ العالم أنها اهترأت، وإماطة اللثام عن توجّه الجشع والتعامل مع الدول الأخرى الصغرى من قِبل الدول الكبرى، وإعادة إحياء فكرة السيد المتفوّق والآخر الضعيف.

 تلك الأفكار القبيحة تلتها منذ أكثر من نصف قرن أفكار حقوق الإنسان وتمكين المرأة وثقافة السلام والعولمة والتسامح، وإعادة الاعتبار إلى الأقليات والتخفيف من حدة الصراع الشرقي - الغربي أو خفوت وتيرة الحرب الباردة، واكتسى وجه العالم بمساحيق جميلة تُعلي من شأن الإنسانية، وحق تقرير المصير للشعوب الرازحة تحت الاحتلال أو الاستعمار، فاستقلت جميع المناطق الخاضعة لذاك الشكل من الوصاية باستثناء الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرزح تحت الاحتلال، على الرغم من الاتفاقيات والمعاهدات التي وقّعت عليها وضمنتها دول كبرى.

 العالم اليوم يتحدث لغة قديمة مشحونة بالضغينة والتكبّر، ويسعى القوي فيه إلى الإملاء على الدول الأخرى، ظناً منه أنها لا تزال ضعيفة وتستجدي لقمة الخبز من الآخر، غير مدرك للتوازنات الجديدة والأقطاب الأخرى الفاعلة، ولا يريد أن يعلم أن المبادئ التي سادت الخمسين سنة الماضية أو أكثر تغيّرت، والاتفاقيات قد تنهار بقرار واحد، فلا يعود للقوة العسكرية أي دور مُقابل القوة الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها الطرف الآخر، وهذا الطرف قد نضج وحقّق تنمية مادية ومعنوية، عمرانية وبشرية، واجتماعية ووطنية، تجعله قادراً على التعامل مع الأزمات الكبرى.

 لقد انتهت الحرب الباردة بين الشرق والغرب بسرعة أكبر مما يتخيّل القطبان، وتتجه إلى المواجهة الساخنة، أسخن مما يظن الطرفان أيضاً، والملاجئ التي يتحدثون عنها للوقاية من آثار الحرب النووية لن تكون ذات نفع، لأن هذه الحرب لو اندلعت ستصهر الحديد وتسمّم الهواء وتلوث المحيطات، وسيقضي الإنسان على نفسه بنفسه، ويعود إلى البدائية، فبعد أن كان يتحدث عن العملة المشفّرة سيعود إلى العملة المعدنية أو الذهبية وغيرها، وبعد أن كان يتواصل عن طريق الإنترنت سيعود للتواصل بالبريد التقليدي، وحتى هذا الأمر لن يتحقّق إلا بعد إعادة تنظيم وتنمية جديدة وإحياء الصناعات من جديد.

 قد تكون هناك مبالغة في الوصف لأثر الحرب، إلا أنها إذا اندلعت قد لا نجد لغة تصفها نظراً لأهوالها وكوارثها، والخسائر التي تكبدتها البشرية في الحربين العالميتين الأولى والثانية ستكون قليلة جداً مقابل ما سيصيب الإنسانية من دمار.

 وبعيداً عن ذكر أسماء دول أو أقطاب وتحالفات، التي ستتغيّر من دون شك، ولن تكون كما تبدو للناظر الآن، إذ قد تنقلب التحالفات والولاءات رأساً على عقب، فمن كان غربياً قد يصبح شرقياً وبالعكس، والمصالح ستتصادم بعنف لم يسبق له مثيل، وقد نجد خارطة جديدة كُلياً للتحالفات قد تُدهش المحللين والسياسيين العالميين المطمئنين. 

 نقول بعيداً عن الأسماء والمسميات، لا بد لمن يظنون أنفسهم قادة العالم أن يضغطوا على الفرامل، وأن يتوقّفوا عن صب الزيت على النار، وأن يعودوا للحكمة والعقل والرصانة، بعيداً عن العنجهية والرعونة، فالعالم يحتوي على أسلحة من شأنها تدمير الكرة الأرضية عشر مرات، وتتركها غير صالحة لسكن البشر جرّاء أسلحة الدمار الشامل النووي والبيولوجي والهيدروجيني والجرثومي.

 لقد قالها ابن خلدون الذي توفي في العام 1406، إن ما من حضارة تستمر في الصعود إلى ما لا نهاية، وسيأتي اليوم الذي تنحدر فيه. فإذا كان لا بد من انحدار الحضارة الحالية، فليكن سلمياً، وليس بالضرورة الذهاب إلى التدمير الكامل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"