عادي
معالجة جديدة لنص شهير

«صهيل الطين».. المخرج يراوغ المؤلف

00:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
مهرجان أيام الشارقة المسرحية/مسرحية صهيل الطين/تصوير محمد الطاهر/٢٠/٣/٢٠٢٢

الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت أمس الأول الأحد فعاليات مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وشهد قصر الثقافة في الشارقة عرض مسرحية «صهيل الطين»، لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، تأليف: إسماعيل عبد الله، إخراج: مهند كريم، تمثيل: أحمد أبو عرادة، في دور «الأب»، ونبيل المازمي، «الابن»، وشريف عمر «أنكيدو».

«صهيل الطين»، هو من النصوص الشهيرة والمعروفة، وتمت معالجته على خشبة المسرح من قبل بعض المخرجين الإماراتيين والعرب، على رأسهم أحمد العامري، حيث التزم الكثير منهم بنص الكاتب، مع رؤية إخراجية خاصة لكنها لم تفارق كثيراً تصور المؤلف، غير أن المخرج مهند كريم مارس في عرضه قدراً كبيراً من مراوغة النص الأصلي، لدرجة أنه قد ولد نصاً قائماً بذاته، والذي ركز بصورة كبيرة على صناعة كم هائل من الصور والمشهديات والرؤى النقدية والأفكار التي تتناول المشهد الإنساني المعاصر بصورة ملحمية، بأسلوبية إخراجية وجمالية مختلفة تتناسب مع فهمه لفكرة الكاتب، ومع رغبته في صناعة موقف مغاير يعبر عن فكرته الخاصة، لذلك فإن الذين اطلعوا على ذلك العمل من قبل، وجدوا أنفسهم في عرض الأمس، في حيرة ودهشة، ولكن قابلوه بالرضا لمحاولة ومغامرة المخرج الشاب الذي قدم عرضاً مميزاً.

صراع

قصة نص العرض تتحدث عن نحات عجوز وابنه الذي ورث موهبته ورفض وراثة حلمه الأكبر، وقد ظل ذلك الفتي أسير الأب المجنون داخل قبو مكث فيه منذ ولادته وحتى لحظة تمرده على والده، ويستمر الخلاف والصراع بين الأب والابن، فالأول يريد أن يحافظ على سلطته، بينما يسعى الولد نحو شق طريقه الخاص؛ إذ يختار أن يتمرد ويشق عصا الطاعة رافضاً حياة الذل، فكان دائماً ما يذكر والده بوالدته التي قتلها بسبب جبروته وطغيانه؛ لأن الأم كانت مثل ابنها تبحث عن الانعتاق والتحرر من سلطة الأب الظالم، الذي عمل على الدوام على قطع الطريق أمام زوجته ثم ابنه.

والقصة تتابع ذلك الصراع الذي يتطور بين الاثنين في حوارية عالية وأسلوب مبدع، لا تكاد تنتهي، تكشف عن أفكار ورؤى فلسفية حول الحياة والوجود وتغوص عميقاً داخل النفس الإنسانية، وأحلام الأفراد بالعيش في مملكة الحرية، فالأب يظل ينتظر حلمه في الحياة، يريد له أن يولد، فكان يردد دائماً: سيولد سيولد، بينما كانت تصرخ الدمية المنحوتة وهي تردد: سيوأد سيوأد.

علامات

النص جاء محتشداً بالأفكار والرموز والعلامات التي عبرت عن معانٍ معينة، فقد كانت فكرة الحرية هي الأساسية في العمل، وعمل المخرج على تقديم معالجة درامية للنص، وحلول إخراجية مختلفة، فكان أن قام بتوظيف الأزياء والديكور والموسيقى والمؤثرات الصوتية والأغاني والأشعار والرقص التعبيري، من أجل خدمة رؤيته الإخراجية، وهو الأمر الذي أفلح فيه إلى حد كبير، خاصة أنه قد استعان بفرقة تمثيل شابة تم الاشتغال عليها بصورة جيدة، فاستطاعت أن تنجح في تقديم أدائية عالية ومتميزة بتناغم كبير، كما أفلح المخرج في خلق حالات ولوحات مشهدية شديدة الروعة، وكذلك الكثير من الصور البديعة في أجواء غرائبية وفنتازية وواقعية في ذات الوقت.

رؤى فلسفية

في الندوة المخصصة للعمل، ذكر المخرج أن العرض هو بمثابة تمرد، فقد أراد بالفعل أن يقدم نقداً حقيقياً وعميقاً للعالم الحديث والمعاصر، الذي يسود فيه التشظي والاغتراب والتفكك وغياب العدالة وسيادة ثقافة الاستهلاك والتشيؤ والقيم التي تحط من شأن الإنسان والعبودية الجديدة والهجرات وموجات اللجوء الكبيرة والصراعات والحروب، وكذلك عرّج العرض نحو التاريخ والماضي والتراث بروح نقدية عالية، كل ذلك كان حاضراً في العرض عبر رؤى فلسفية ونفسية، وعلامات ورموز دالة على تلك الوقائع التي تناولها العمل، غير أن هناك صعوبة حقيقية في فهم العرض؛ إذ جاء نخبوياً، كما أن استخدام الرموز بصورة كثيفة، والتي تحتاج إلى تفكيك، ضيع الكثير من المعاني، وأفقد إمكانية التواصل بين المتلقي والخشبة، لكن رغم ذلك فقد وفر العرض المتعة البصرية للمتلقي، لكونه قد جاء حافلاً بالمشهديات والصور الجميلة.

أثار العرض الكثير من اللغط والأسئلة في الندوة التطبيقية التي تلته، حيث تحدث المشاركون من النقاد والمسرحيين عن المعالجة والرؤية الإخراجية، وتركزت معظم النقاشات حول حدود المخرج في التصرف في النص، وهل من حقه أن ينتج عرضاً جديداً وربما مختلفاً؟، ولعل ما أثار الاستفهامات من قبل المشاركين في الندوة التي أدارها جمال ياقوت، أنهم قد وجدوا أن العرض يختلف بصورة كاملة عن النص الذي اطلعوا عليه، بينما أشاد بعضهم بتلك الخطوة من قبل المخرج، وذكروا أنه يمتلك الحرية الكاملة في التصرف في النص وفق الرؤية الإخراجية التي يحملها، غير أن العمل بصورة عامة وجد إشادة واسعة من قبل النقاد والمشاركين في الندوة.

إعطاء الفرصة للمشاهد

جاءت أبرز مداخلات الندوة التطبيقية من المسرحي خليفة الهاجري، الذي أشار إلى أن ما أرهق النص هو الإضاءة، موجهاً الشباب من المخرجين في المهرجان بضرورة إعادة النظر في عملية الإظلام، داعياً إلى إعطاء الفرصة للمشاهد ليرى جمال الخشبة، فيما تحدث المخرج عماد الشنفري متسائلاً: هل يحق للمخرج أن يغير في النص، بينما ذكر الناقد محمد سيد أحمد، أن العرض، من ناحية سيمائية، فيه الكثير من العلامات والرموز البصرية والضوئية والحركية، من جهته أوضح المسرحي يوسف الحمدان أن العرض احتشد بالضجيج، موضحاً أن ذلك الأمر من شأنه أن يربك العمل، ولفت إلى أن العرض، من الناحية الفكرية، حفل بالإسقاطات، وجملة من الحلول التي أثقلت كاهل النص المسرحي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"