توسع نجومي للمعلومــات

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف لا يحتاج موضوع «تغيير النموذج الفكري الثقافي» (أمس)، إلى همزة وصل توصل إلى غاية واضحة؟ رأينا أن محرك البحث «جوجل» تحرر من جاذبية التخصصات، وصار، وهو قطاع خاص، وكأنه قطاع أعمّ من العام. أغلب الظن أنه لعب لعبة ظريفة، اكتشافها انحصاري للقلم، فقد طبّق أضيق نطاق لمحرك البحث على أوسع نطاق، وهو الحياة بكاملها. محرك البحث حين انطلق في البداية، كان عبارة عن موسوعة متعدّدة المناهل والروافد في متناول الجميع، ولا يزال وإن تجاوزه. هكذا كانت البداية. كان المشروع تجسيد «الأخذ من كل شيء بطرف»، في التعريف العربي القديم للأدب، ما يدل على أن الأدب كان في مفهوم قدمائنا يعني الثقافة. بل إن تلك العبارة، في الحقيقة، كانت أبعد مدى حتى من الثقافة كما ندرك أبعادها من كلمة «كلتشر» الإنجليزية «وكولتور» الفرنسية، وأخواتها المتشابهات في اللغات الأوروبية. كان على من يأخذ من كل شيء بطرف، ليكون مثقفاً، أن يكون له نصيب من الشعر، النثر، علوم اللغة، المنطق، الفلسفة، الطب، الفلك، الفقه، التفسير، الموسيقى، الأنساب إلخ، بإيجاز: أن يصير محرك بحث. «صبح الأعشى»، «العقد الفريد»، وما شاكلهما، هي محركات بحث موسوعية.
نموذج محرك البحث «جوجل»، إذاً، خرج بنا من المحدودية التخصصية، حتى ولو كانت ذات طابع موسوعي، إلى تحويل كل تخصص إلى ميدان عملي منفصل عن جزيء تكوينه الأصلي، وهو مجموعة المعلومات النظرية في عدد نجومي من المسائل. انطلقت الفكرة التوسعية التطبيقية من السؤال: لمَ لا نحوّل كل مجال إلى حقل تجارب علمية تفتح آفاقاً عملية بلا حدود؟ ما علينا إلاّ أن نغادر البوتقة المحدودة في نطاق المعلومات الموسوعية النظرية، ونقتحم ميادين الرياضيات، الخوارزميات، المعلوماتية، ثم حواسيب الكوانتوم، الفيزياء، الفيزياء الحيوية، الكيمياء، الكيمياء الحيوية، علم الأحياء، العلوم العصبية، الذكاء الاصطناعي، الفضاء، وهلمّ علوماً وتقانات.
هذه الوحدات التي تلوح متباينة، هي في الواقع تعمل كالأوركسترا في توافق وتناغم، في جميع علوم الأرض وعلوم الكون.
ألسنا أمام دافع قويّ إلى إحداث تحوّل جذري في مفهوم الثقافة، يُعطيها أبعاداً شاملة فاعلة في الحياة؟ أليس هذا المبحث جديراً بالبحث من قبل صفوة من المفكرين والعلماء والمثقفين والإعلاميين، انطلاقاً من القضية: ماذا يعني أن يصبح محرك بحث قوة اقتصادية تتجاوز الناتج القومي الإجمالي لأكثر من عشرات الدول؟ أمّا قدراته العلمية التجريبية ففائقة، طموحها مستقبلي بلا حدود.
لزوم ما يلزم: النتيجة الرومانسيّة: بعد «والنواسيّ عانق الخيّاما»، آن للعلميّ والثقافي أن يتعانقا.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"