سوريا العربية

01:42 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

أكثر من عشرة أعوام مرت على محنة سوريا، جراء الحرب الدائرة فيها، والتي أسهمت دول وجهات دولية وإقليمية مختلفة في تسعيرها وتوسيع نطاقها، بغية تكرار السيناريو نفسه الذي نفذ في العراق وليبيا وسواهما من البلدان، وأدى إلى ما بات معلوماً من تجزئة وفرقة ونزاعات، وتفكيك الكيانات الوطنية التي بنتها أجيال سابقة بتضحياتها الكبيرة.
لم يتحقق السيناريو نفسه في سوريا تماماً، فلم تسقط العاصمة في أيدي من كانوا يرغبون في السيطرة عليها، ولكن البلد عانى ويعاني أوجاعاً كثيرة تمثلت في الأعداد المهولة من المهاجرين والمشردين والقتلى والجرحى، ومن الدمار الذي لحق بالمدن والبلدات السورية المختلفة، فضلاً عن المعاناة المعيشية الصعبة للسوريين.
المتعين كان هو الوقوف مع سوريا؛ كونها أحد أهم مرتكزات منظومة الأمن العربية التي عانت المزيد من التصدع باندلاع الأزمة السورية، خاصة مع تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، ما نجم عنه فعلياً، عزلها عن محيطها العربي، ويسّر مناخاً للقوى الإقليمية الراغبة في بسط نفوذها على المنطقة، مستغلة ما بتنا عليه، كعرب، من فرقة وانقسام، كي تمدد نفوذها في سوريا، حد اقتطاع أجزاء من أراضيها بالقوة.
على خلفية هذا كله، تبرز الأهمية الكبرى للزيارة التي قام بها الرئيس السوري لدولة الإمارات، والمباحثات التي أجراها مع القيادة الإماراتية، والتي سبقتها زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، لدمشق ولقاؤه بالرئيس السوري، حيث يحسب للإمارات دورها المهم والريادي في مسعى كسر العزلة عن سوريا، وإعادتها لموقعها الطبيعي في النظام السياسي العربي، في خطوة شجاعة سيكون لها الكثير من الآثار الإيجابية على صعيد مساعدة سوريا في التغلب على ما تعانيه من مصاعب جمة جراء الحرب المدمرة المستمرة.
أكثر من عشر سنوات مرت على ما وصف في حينه ب«الربيع العربي»، الذي لم يكن له من الربيع أي أثر، فنتائجه الخطرة باتت ظاهرة للعيان، وما زال العالم العربي بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود للتغلب على تلك النتائج التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. وفي مقدمة هذه الجهود المطلوبة، تبرز مهمة إنهاء التصدع في منظومة العلاقات العربية  العربية، وإعادتها إلى مجاريها التي كانت عليها قبل عام 2011، ففي ذلك المدخل الضروري لصون أمن المنطقة وتحصين بلدانها من التدخلات الأجنبية، والسعي إلى بناء نظام عربي جديد قائم على احترام السيادة الوطنية للدول العربية، ورفض كافة صور التدخل الخارجي في شؤونها، لإملاء أجندات تعبر عن مصالح أصحابها، التي لا تلتقي مع مصالح بلداننا وشعوبنا.
مكان سوريا الطبيعي هو في صفوف أشقائها العرب. هذا ما أدركته الإمارات وتسعى إليه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"