عادي
اسأل الخليج

تعرف إلى كرويف اللاعب الطائر والمدرب الفيلسوف

13:44 مساء
قراءة 7 دقائق
إعداد: معن خليل
صادف يوم 24 مارس/آذار ذكرى وفاة يوهان كرويف أعظم لاعب عرفته هولندا، والذي كان ضمن أفضل عشرة نجوم في تاريخ كرة القدم، حيث فارق الحياة في عام 2016 بعد صراع مع مرض السرطان، ليرحل تاركاً خلفه إرثاً كبيراً، حيث يعرف على نطاق واسع أنه مخترع «التيكي تاكا» التي يطبقها نادي برشلونة الإسباني منذ 2009، وقد تعلمها منه بيب جوارديولا المدرب الحالي لمانشستر سيتي عندما كان لاعباً في تشكيلة كرويف الذي قاد النادي الكتالوني في الفترة من عام 1988 حتى 1996.
وإذا كان الكثير من نجوم كرة القدم تركوا أثراً في اللعبة خلال فترة ممارستهم لها كلاعبين مثل البرازيلي بيليه والأرجنتيني دييجو مارادونا ومواطنه ألفريدو دي ستيفانو والمجري بوشكاش، فإن كرويف يعد ضمن قلة من الذين كان لهم فلسفتهم الخاصة التي ظهرت خلال مشوارهم كلاعبين ومدربين.
وضمن هذا المنطق، لم يكن كرويف شخصاً عادياً في كرة القدم، بل هو النجم والفيلسوف والمفكر والمخترع والرائد الذي قدم لفريقين لعب لهما هما أياكس أمستردام الهولندي وبرشلونة الكثير من الإنجازات والألقاب، ثم فعل الأمر نفسه كمدرب.
ولعبت الحياة الصعبة التي عاشها كرويف المولود عام 1947 دوراً في تكوين مهاراته ثم شخصيته الحادة والمرحة والمبتكرة في آن، فقد كان قادراً على صنع ما لا يستطيع أحد غيره فعله، وإن بقي لقب كأس العالم عاصياً عليه، وهو الذي اختبر مرارة الهزيمة في النهائي وذلك في مونديال 1974 عندما سقطت هولندا أمام ألمانيا الغربية التي كان يقودها في ذلك الوقت «القيصر» فرانتس بكنباور.
جار أياكس
ومن حسن حظ كرويف أنه في صغره عاش في منزل قريب من ملعب لومير الخاص بنادي أياكس أمستردام الذي سيصبح لاحقاً صانع مجده بقيادته إلى ثمانية ألقاب دوري إضافة إلى هيمنة أوروبية في فترة زاهية عرفها النادي «الأحمر والأبيض» في منتصف الستينات حتى سبعينات القرن الماضي.
كان هنريك والد كرويف يعمل بقالاً، أما والدته فإن وظيفتها كانت داخل نادي أياكس أمستردام لكن كعاملة نظافة، وهذا الأمر جعل الطفل يوهان يتعلق كثيراً بالفريق، حيث كان يداعب الكرة في ملاعبه حتى أعجب به كشافو النادي، ليطلبوا ضمه إلى فريق الأشبال وهو في سن العاشرة من عمره.
وتأكدت موهبة يوهان كرويف أكثر عندما تم ضمه إلى الفريق الأول وهو في سن السابعة عشرة من عمره وتحديداً عام 1964، قبل أن يجعله المدرب الداهية رينوس ميشلز أستاذ «الكرة الشاملة» لاعباً يتحدث عنه العالم.
دور محوري
وقد لعب ميشلز الذي استلم تدريب أياكس عام 1965 دوراً محورياً في مشوار يوهان كرويف عندما أخضع الشاب النحيل لبرنامج مكثف من التمارين المجهدة بقصد تحسين لياقته البدنية وإعداده لحياة الاحتراف الشاقة، فنجح بذلك بشكل باهر.
وعندما يذكر تاريخ كرة القدم «الجنرال» ميشلز كأحد أفضل المدربين أصاحب الابتكار، فإنه هو نفسه لا يستطيع إنكار حقيقة، أنه لولا وجود التلميذ كرويف لم يكن للأستاذ أن يطبق ما يريد على أرض الواقع.
كان يوهان كرويف مهاجماً فريداً من نوعه، صاحب مهارة عالية وانطلاقة سريعة على الجناح وتسديدات مقوصة ولعبه نظيف وتدخلاته رزينة وتمريراته حاسمة ودقيقة، وهو مزج بين براعة صانع الألعاب ودقة الهداف، فأطلق عليه الكثير من الألقاب من أشهرها «بيليه الأبيض»، إلا أن التسمية التي اشتهر بها كانت «الهولندي الطائر» بسبب سرعته، كما أصبح أشهر من يرتدي الرقم 14 في تاريخ كرة القدم.
رقم وثقة
ولم يختر كرويف الرقم 14 بل هو من اختاره، فهو في بداياته كان يرتدي الرقم 9، وخلال إحدى المباريات في مواجهة المنافس التقليدي ايندهوفن عام 1970 لم يجد زميله جيري موهرين قميصه الرقم 7 بعدما أضاعه عامل النظافة، ليقدم له يوهان كرويف رقمه في حين توجه هو إلى سلة القمصان واختار أول قميص أمامه، وكان الرقم 14، وبعد الفوز بالمباراة تفاءل بهذا القميص واحتفظ به وأصبح أحد أشهر الأرقام في تاريخ اللعبة.
أما الثقة بين ميشلز وكرويف فتطورت أكثر بعد مباراة بين أياكس وليفربول الإنجليزي في بطولة الأندية الأوروبية، حيث تألق يوهان الذي كان في الثامنة عشرة من عمره بشكل لافت في اللقاء وقاد فريقه إلى فوز كبير 5-2.
وعبر الكرة الشاملة التي اعتمدها ميشلز مع أياكس منذ أن دربه عام 1965 حتى 1971، وبتطبيق من كرويف حقق الثنائي الكثير من الإنجازات لفريقهما محلياً وأوروبياً، كما أن يوهان نفسه حقق مجداً شخصياً بفوزه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في البطولات الأوروبية 3 مرات.
وتقوم «الكرة الشاملة» على فكرة تعتمد على دفاع المنطقة وضغط متواصل على الخصم وتكامل بين خطوطه الثلاثة، أي أن الكل يهاجم والكل يدافع في آن واحد، وتربع أياكس بفضلها وبقيادة كرويف على العرش الأوروبي ثلاث سنوات متوالية في 1971 و1972 و1974، ونال لقب الدوري 8 مرات والكأس 5 مرات، والسوبر الأوروبي وكأس الانتركونتيننتال مرة واحدة، كما سجل اللاعب للنادي «الأحمر والأبيض» 215 هدفاً في 307 مباريات.
فتح تألق كرويف مع أياكس عيون الأندية الأوروبية عليه لكن فريق برشلونة هو من ظفر به وضمه إلى صفوفه عام 1973 مقابل مبلغ خيالي، وكان النادي الكتالوني يعاني في ذلك الوقت، لكن يوهان قاده بعد زمن قصير إلى لقب الدوري الذي غاب عن خزائنه 14 عاماً، ومنذ ذلك الحين أصبح اللاعب رقم واحد عند الجماهير.
وترك كرويف برشلونة عام 1978 بعد أن كان أعلن اعتزاله، إلا أنه قرر العودة مجدداً إلى كرة القدم واحترف عام 1979 في نادي لوس أنجلوس الأمريكي ثم لعب لفريق واشنطن دييلوماتس حتى عام 1981، وبعدها عاد إلى الدوري الإسباني لكن من باب ناد صغير هو ليفانتي الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية.
وبعد غيابه عن الأضواء على مدى ثلاث سنوات رجع كرويف صيف 1981 إلى ناديه الأول أياكس، واستطاع الفوز معه بلقب الدوري وكأس هولندا من جديد، ثم التحق سنة 1983 بنادي فينورد، خصم أياكس وغريمه التقليدي، وفاز معه بثنائية الدوري والكأس، وكانت المفاجأة السارة له أنه رغم بلوغه عتبة الثلاثين من عمره فقد تم اختياره أفضل لاعب في هولندا مرتين متتاليتين عامي 1983 و1984، قبل أن يعتزل كرة القدم نهائياً هذه المرة عام 1984.
اتجه كرويف إلى التدريب وكان أياكس الفريق الأول الذي أشرف عليه عام 1985 وبقي في صفوفه حتى 1988 وفاز معه بكأس أوروبا للأندية أبطال الكؤوس عام 1987 وساهم في اكتشاف العديد من النجوم الذين صنعوا لاحقاً عهداً جديداً لمنتخب هولندا من أمثال دينيس بيركامب وأرون وينتر وبرايان روي والأخوين روب وريتشارد ويتشغ.
وسار كرويف كمدرب على نفس الطريق الذي انتهجه كلاعب وذلك عندما وافق على قيادة برشلونة وصنع معه قصة «فريق الأحلام» الذي يلعب أجمل كرة قدم على وجه الأرض بوجود البرازيلي روماريو والبلغاري كريستو ستويشكوف والروماني هاجي والإسباني بيب جوارديولا والهولندي رونالد كويمان، ليحرز النادي الكتالوني في عهده لقب «الليجا» في أربعة مواسم متوالية، ونال دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه عام 1992.
مسيرة متناقضة
ورغم نجاحه كلاعب مع الأندية، إلا أن مسيرته مع المنتخب الهولندي لم تكن بنفس القوة والنجومية، رغم إنجاز الوصول إلى نهائي مونديال 1974 الذي كان للاعب «الطائر» دور كبير فيه.
واعترت مسيرة كرويف مع المنتخب الكثير من العثرات وهو رغم أنه بدأ مشواره معه مبكراً وتحديداً عام 1966، إلا أنه لم يلعب في صفوفه سوى 48 مباراة دولية واعتزل دولياً 1977 بعدما ساهم في تأهل منتخب بلاده إلى نهائيات كأس العالم 1978 في الأرجنتين، حيث سردت الكثير من الروايات عن سبب ذلك ومنها تهديده بالقتل من قبل «المافيا»، مما اضطره للتذرع بظروف أسرية لعدم السفر مع الفريق «البرتقالي» إلى الأرجنتين.
ويبقى مونديال 1974 أبرز وأعظم ما فعله كرويف دولياً، فبعد مسيرة متعثرة لمنتخب هولندا في الدور الأول كشر عن أنيابه منذ الدور الثاني وأظهر للعالم نجاعة كرة القدم الشاملة التي كان كرويف أحد أقطابها، حيث كان يجوب الملعب باحثاً عن الفرصة السانحة، بينما كان زملاؤه يتقنون مبدأ تغيير المواقع بشكل يجعلهم يبلغون الأهداف الفنية المسطرة بغض النظر عن مواضعهم الأصلية، وقد أدهشت هذه الخطة الجديدة عشاق كرة القدم واعتبرت حينذاك ثورة حقيقية في عالم المستديرة.
في الدور الثاني سجل كرويف هدفين لتفوز هولندا على الأرجنتين برباعية نظيفة، ثم انتصر «البرتقالي» على ألمانيا الشرقية بهدفين مقابل لا شيء وعلى البرازيل بطلة عام 1970 بنفس النتيجة، وتمكن يوهان في اللقاء من تسجيل هدف جميل بتسديدة نصف هوائية.
ورغم أن هولندا خسرت في النهائي أمام ألمانيا الدولة المضيفة 1-2، إلا أنها بقيادة كرويف أبهرت العالم بالتمريرات القصيرة واللعب الجماعي الرائع.
ولم تكن مسيرته مع المنتخب هي النقطة الغريبة في مسيرته، حيث عرف عنه أنه مدخن شره، وقد اضطر إلى الإقلاع عن التدخين بعد العملية الجراحية التي خضع لها سنة 1991، ثم عاودته المشاكل الصحية بدءاً من 1997، فقرر الابتعاد عن التدريب إلى الأبد مخلفاً وراءه موروثاً ضخماً من اللاعبين والألقاب.
مسيرة اللاعب الخارق والفريد والمدرب المبتكر انتهت، لكن بقيت فلسفته التي طبقها في برشلونة ومع أياكس ومن قبلها مع المنتخب، حيث إن فكره يجعل كرة القدم هي الهدف الأسمى وهو الذي كان يشبهها دائماً بلعبة «باليه»، وقال يوماً: «لقد أثبتنا للعالم أن بإمكان اللاعبين الاستمتاع بكرة القدم، وأن كرة القدم مناسبة للضحك وقضاء أوقات شيقة، لقد كنت ضمن جيل أثبت أن الجمع بين اللعب الجميل والمتعة والألقاب أمر ممكن وفي المتناول».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"