عادي
لم ترتبط في الحالة العربية بمرجعية فكرية

قصيدة النثر.. هل تكشف عن أزمة في النقد؟

22:32 مساء
قراءة 3 دقائق
1801

القاهرة: «الخليج»

يحاول د. سيد عبد الله في كتابه «ما بعد قصيدة النثر» استكشاف تحولات قصيدة النثر والشعرية العربية، من خلال قراءة تتلمس تلك التحولات ومساراتها في بعض السياقات، التي ميزت تجربة قصيدة النثر، فقد اقترنت الانعطافات الكبرى في مسار تلك القصيدة بتحولات جذرية تاريخياً واجتماعياً، سواء في سياقها الغربي أو العربي.

اقترنت قصيدة النثر الفرنسية بفترة الثورات والتحولات الكبرى في فرنسا التي أعقبت الثورة الفرنسية فكانت تلك الحقبة التي شهدت ولادة قصيدة النثر مع شارل بودلير (1821 – 1867) كما شهدت التحولات الكبرى لفكر الحداثة الغربية بكل تجلياته الفلسفية والأيديولوجية، والثقافية والفنية والأدبية، والاجتماعية، وكذلك ارتبطت الموجة الثانية لصعود قصيدة النثر الفرنسية والأمريكية بثورة الشباب في الستينات من القرن الماضي في فرنسا، وتزامنت معها الثورة الثقافية والاجتماعية في أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية، والتي وصلت إلى أوجها في نهاية الستينات بعد حرب فييتنام، وتزامن صعود قصيدة النثر في أمريكا في تلك الحقبة مع صعود موجة ما بعد الحداثة.

ولا تختلف قصيدة النثر العربية عن قصيدة النثر في الغرب – كما يذهب هذا الكتاب – من حيث اقتران مؤشرات موجات الصعود والانحسار بسياقات التحولات التاريخية والثقافية والاجتماعية في العصر الحديث، ولعل الربط بين قصيدة النثر أكثر من غيرها، والتحولات الكبرى في العصر الحديث في مجتمعنا العربي من الجلاء بدرجة لا تخفى، سواء كان ذلك الربط من قبل من يحاولون أن يضفوا على قصيدة النثر قيماً إيجابية (كالتجديد والتحرر والثورية) مثلما فعلت جماعة مجلة شعر مثلاً، أو من يحاولون أن يجعلوها قرينة كل قيمة سلبية هدامة أو تدميرية عدمية تغريبية، تشكل خطراً على الشعور الجمعي العربي يفوق خطرها على الشعر العربي.

غير أن ثمة فارقاً مهماً ينبغي إدراكه في الفرق بين السياق الفلسفي والثقافي والفني الذي نشأت وتشكلت في إطاره قصيدة النثر في الغرب من جهة، وذلك الذي نشأت وتشكلت فيه قصيدة النثر العربية من جهة أخرى، ففي حين توازت حركة تطور قصيدة النثر في فرنسا مع تطور الحركات والمذاهب الفنية من الرمزية إلى الدادية والسيريالية ومن بعدهما التكعيبية وغيرها مستندة جميعاً إلى تأصيل فلسفي وجهد فكري رافق تلك التحولات في حركة تطور الشعر في فرنسا، وبالمثل حدث التوازي ذاته مع حركة قصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر في أمريكا، في المقابل لم تجد قصيدة النثر العربية المرجعية الفكرية الفلسفية التي تستند إليها، ولم ترتبط بتيار أو مدرسة في الفن التشكيلي مثلاً مثلما حدث مع قصيدة النثر الفرنسية والأمريكية.

ويتساءل المؤلف: هل تكشف قصيدة النثر بالفعل عن أزمة في الشعر العربي مثلما ذهب كثيرون من الذين حملوا عليها شعراء كانوا أو نقاداً، أم أن ما تكشف عنه في الحقيقة هو أزمة النقد العربي أيضاً، وبالتحديد في تصورات المؤسسات النقدية للشعرية العربية؟ وفي أزمة الخطاب النقدي في صياغته لمفهوم الشعرية واستبساله في الدفاع عنها أو حتى تسامحه المحدود أحياناً بإبداء بعض المرونة التي تسمح لهذا النص أو ذاك بالدخول تحت مظلة الشعرية بفضل ذائقة جمالية خاصة من أحد النقاد أو بفضل اتساع أفقه تجاه شعرية النص، سواء كان ذلك عن إيمان حقيقي بشعرية النص أو عن استسلام ومجاراة لمقولات وتصورات نظرية حداثية غربية طالما روج لها.

تراجع المستوى

يرى المؤلف أن أخطر ما لحق بقصيدة النثر من أذى بسبب غياب الجهد النقدي الموازي بالقدر الذي تستحقه تلك التجربة، هو التراجع النوعي في بعض تجارب الشعراء، بعد ما كانت تبشر دواوينهم الأولى من وعد بتجربة شعرية خصبة وثرية لها خصوصيتها في سياق المنجز الشعري المعاصر، فغياب الحركة النقدية وتغافلها عن أداء دورها الموازي لهذا الإنجاز الإبداعي جعل كثيراً من الدواوين اللاحقة لبعض الشعراء تتراجع عن المستوى الذي بدا في الدواوين الأولى بشكل ملحوظ، وتسقط في مهادنات مع التصورات النقدية المهيمنة والمحتكمة إلى مفاهيم تم تكريسها مع المنجز الشعري لشعراء ينتمون إلى شعرية التفعيلة بدرجة أو بأخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"