«ماكدونالدز» و«الخال فانيا»

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

لا نعلم ما إذا كان أنطون تشيخوف، لو بعث حياً، سيكون راضياً أم لا عن إطلاق اسم مسرحيته الشهيرة «الخال فانيا» على فروع مطاعم ماكدونالدز للوجبات السريعة في روسيا، بعد أن أغلقت الشركة المذكورة تلك الفروع، ضمن حملة العقوبات الغربية التي طالت روسيا إثر عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
الشعار الذي سيتخذه الروس لتسميتهم الجديدة لمطاعم ماكدناولدز مستوحى من الحرف «B»، والذي يشير إلى الحرف «V» في Uncle Vanya حيث لاحظ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي تشابهه مع العلامة التجارية لماكدونالدز، ولكن مع تأكيد أن نحو 99% من مكونات الهمبرجر الذي سيقدم ستكون روسية، في ظل تزايد الدعوات لاعتماد روسيا على نفسها بعد العقوبات الغربية عليها، بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيّد خطة لتأميم الشركات المملوكة للأجانب التي غادرت البلاد، ولا باس من التذكير بأن دخول ماكدونالدز إلى الاتحاد السوفييتي في عام 1990، اعتبر يومها رمزاً لانتصار الغرب على الشيوعية في نهاية الحرب الباردة.
وحسب وسائل الإعلام فإن سلسلة مطاعم روسية صُنفت كبديل لماكدونالدز كشفت عن شعارها الجديد، الذي روعي أن يكون مشابهاً لذلك الخاص بماكدونالدز، وأطلق إليه عنوان مسرحية تشيخوف المشار إليها، ربما في مسعى لتوكيد الهوية القومية الروسية، لما لتشيخوف من مكانة في الأدب والثقافة الروسيين.
و«الخال فانيا» هي واحدة من أشهر أربع مسرحيات طويلة لتشيخوف، فبالإضافة إليها هناك مسرحيات: «النورس»، «بستان الكرز»، و«الشقيقات الثلاث»، وتدور أحداث المسرحية في جو ريفي رتيب، وتُعرفنا من خلال حوار شخصياتها عن مشاعر الخوف والقلق في جو يجمع بين التراجيديا بالكوميديا، مجسدة مهارة تشيخوف التي نعلم في سبر أعماق النفس الإنسانية، وفي تمثله للخصوصية الروسية، التي لم تمنع من أن يصبح أدبه عالمياً بامتياز، فهذه المسرحية، على سبيل المثال، ما تزال تعرض لا على مسارح روسيا وحدها، وإنما على الكثير من مسارح العالم منذ أن كتبها تشيخوف عام 1897 حتى يومنا هذا.
وعرضت المسرحية لأول مرة في موسكو في نهاية القرن التاسع عشر، في العام 1889، وقام بإخراجها المخرج المسرحي الشهير قسطنطين ستانسلافسكي.
حين انتهى أحد كبار النقاد الروس من مشاهدة مسرحية «الخال فانيا» كتب يقول: «كثيرون يقولون بعد أن نخرج من المسرح: نذهب إلى المطعم نأكل ونشرب. نسمع الموسيقى. نلهو. بعد رؤيتي للمسرحية خرجت ورغبة قوية تتملكني بالذهاب إلى مكان بعيد، حيث السكينة والصمت ليتسنى لي أن أفكر وأفكر، وأبكي، وأبدأ بعمل ما».
الكاتب مكسيم جوركي كتب بعد مشاهدته المسرحية: «فكرت بالحياة؛ ببشاعتها وقسوتها. كيف يذوي الشباب وتقدّم الحياة رخيصة على مذابح الأصنام؟».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"