عادي

ورش الكتابة.. لا تصنع روائياً

21:54 مساء
قراءة 3 دقائق
1702

القاهرة: الخليج

الفن وجد من الأساس ليملأ مساحة شاغرة في الطبيعة، من أجل توسيع هامش الوجود، وجعله أكثر رحابة، لكن ما الذي يجعل من اللوحة الفنية عملاً معترفاً به؟ ما الذي يجعل من قطعة موسيقية عملاً فنياً يلقى استجابة جمالية؟ ما الذي يميز القصة عن الرواية؟ هنا لابد من البحث عن شروط سابقة للإبداع، وعن عناصر فنية كامنة في كل جنس أدبي وفني، هي التي تقرر صلاحية العمل الفني، لذلك وجدت الأكاديميات والمعاهد الفنية، التي تدرّس الأساسيات في صناعة اللوحة، والعمل النحتي، والتصميم المعماري.

وهناك دائماً ورش لتعلم الفن، وأساتذة لتقديم خبراتهم في هذا المجال، والفنون الأدبية من الشعر والقصة والرواية، وجامعات وأكاديميات تقدم دروساً في ما بات يعرف بالكتابة الإبداعية، وخارج هذه المؤسسات هناك عشرات الكتب التي تصدر سنوياً، وتقدم مناهج حديثة في هذا المجال، ومن بين هذه الكتب لقي كتاب بليك سنايدر «إنقاذ حياة القطة.. آخر كتاب تحتاج إليه في كتابة السيناريو» صدى كبيراً في أوساط صناعة السينما العالمية، وعد منهجاً معترفاً به لدى قطاعات واسعة من العاملين في هذه الصناعة.

يطرح هذا الكتاب منهجه في خمس عشرة نقطة أساسية تناولتها معظم قصص الأفلام العظيمة، من هنا، ولأن الكتاب يتحدث عن قصص الأفلام، وجدت الروائية والمنتجة السابقة جيسيكا برودي، سبيلاً لنقل هذا المنهج إلى عالم الرواية، وانتشر كتابها «إنقاذ حياة القطة.. آخر كتاب تحتاج إليه في فن الرواية» في التداول ليؤشر على نجاح ملموس لدى شريحة كبيرة من القراء.

وحين اطلعت المترجمة العراقية شهد الراوي على الكتاب في صيف 2019 أعجبتها الفكرة، وتساءلت: هل حقا نكتب رواياتنا بهذا التراتب المنهجي من دون أن نخطط لذلك؟ هل حقاً ثمة شفرة جينية مثبتة في حمضنا النووي، نحن بني البشر، لكي نستقبل القصص على نحو يتضمن العناصر الأساسية التي تطرحها المؤلفة؟

تتوجه جيسيكا أمريكية الجنسية إلى قارئ مختلف في اهتماماته القرائية، فالرواية لديه تتنوع بين قصص الجريمة وقصص الرعب والخيال العلمي، والمغامرات والرومانسيات، والقارئ عندنا يميل إلى الرواية الفرنسية والإنجليزية والروسية واليابانية، وغيرها من تلك الروايات التي تتسم بطابع وجودي، يتجاوز الهم العابر واليومي، فالأمثلة التي تختارها المؤلفة لتطبيق منهجها هي من الأعمال الأكثر انتشاراً، والتي لا تناسب مزاج القارئ العربي، وإن كان معظم هذه الروايات قد ترجم إلى العربية، ومنها روايات لديكنز وتشاينبك والأخوات برونتي وجين أوستن، وغيرهم.

تقول شهد الراوي: «قد تكون تجربة الترجمة شاقة ومشوقة في الوقت نفسه، لكن وجود هذا الكتاب في المكتبة العربية، يتجاوز ما هو ذاتي إلى التنوع في فهم ميكانيزمات عمل الرواية، من داخلها، وهو ما تفتقر إليه مكتباتنا العربية.. اطلعنا في السابق على عدد من الكتب التي تتحدث عن فن الرواية لكونديرا ويوسا وماركيز وإيكو وباموق، غير أن هذه الكتب تتضمن نصائح شخصية لمبدعين كبار، تختلف تجاربهم من مؤلف لآخر، وتتعلق بروح الإبداع، وليس بتقديم منهج ينتمي إلى الكتابة الإبداعية الذي تتبناه الجامعات والأكاديميات المعروفة».

إن مناهج الكتابة الإبداعية، وورش الكتابة بصفة عامة، في واقع الحال لا تصنع روائياً، فوظيفتها أن تأخذ بيده لكي يعرف كيف تمضي الأمور مع رحلته الخاصة في تأليف عمله، ومنهج «إنقاذ حياة القطة» الذي بين أيدينا يدعي هذه الوظيفة، وقد سئل وليم فوكنر مرة عن رأيه في بعض الروائيين فقال: «إنهم يكتبون بطريقة جيدة، غير أنهم ليس لديهم ما يقولونه».

هذا الكتاب يتوجه إلى الذين لديهم ما يقولونه، غير أنهم لا يعرفون كيف يقولونه بشكل جيد، بمعنى أن هذا الكتاب لا يحد من مغامرة الروائي، بل يساعده على معرفة الهيكل الداخلي، الذي يحكم حركة تقدم الروايات إلى الأمام، حتى أولئك الذين يفكرون دوماً في كسر القواعد وتهديم الأنماط لكي يأتوا بالجديد، عليهم أولاً معرفة ما القواعد والأنماط من أجل تجاوزها وكسرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"