أزمة العراق المائية

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

تتقاطر الأزمات على العراق من كل حدب وصوب، وما إن يواجه شعب الرافدين أزمة حتى تتبعها أخريات دون التوصل لحل أي منها. فالبلد يتلقى سهاماً أثقلت كاهله على الصعُد كافة، بداية من تعثر تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد، مروراً بالأوضاع الأمنية المتشنجة التي وضعت العراق بين فكي كماشة الإرهاب والتدخلات الخارجية، وآخر تلك الأزمات التي سلطت الأمم المتحدة الضوء عليها بتقرير صادم، هي شح مياه شديد ينذر بتعطيش شعب النهرين.

 أزمة المياه الأخيرة رغم أن الظروف المناخية السيئة تلعب دوراً كبيراً فيها، إلا أنها ومن جانب آخر مرتبطة بشكل وثيق باستغلال دول مجاورة لحقوق العراق المائية، عبر إقامة سدود حجبت إلى حد بعيد كميات كبيرة من المياه المتدفقة عبر نهري دجلة والفرات.

الأمم المتحدة اكتفت بسرد أسباب مناخية بحتة في نقص المياه، فالمدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، سامي ديماس، قال إن منسوب المياه في نهري دجلة والفرات انخفض بنسبة 73% جرّاء قلة تساقط الأمطار، مشيراً إلى أن «التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي وتفاقم التصحر، وتكرار الظواهر المناخية الشديدة تشكل تهديدات جدية على الإنسان في المنطقة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جماعية». وأضاف معلومة في غاية الأهمية تؤكد أن شح المياه دفع الحكومة إلى تقليص المساحات المزروعة بنسبة 50% خلال 2022، ما يعني أن ذلك سيمس غذاء العراقيين، الذين يكتوون أصلاً بنسب فقر مرتفعة، وغلاء، وفوضى اقتصادية، وفساد مستشرٍ.

 هذه الأسباب يضاف إليها أخرى جيوسياسية، عبر بناء السدود التي أدت إلى حجب كميات كبيرة من مياه النهرين، فتركيا عملت على تشغيل سد «إليسو» الذي انتهت من بنائه في يناير/ كانون الثاني 2018، الأمر الذي أدى إلى انخفاض منسوب المياه، ووضع العراق أمام مشكلة حقيقية، خصوصاً بعد أن حولت إيران أيضاً مجرى الأنهار التي كانت تُسهم بتزويد العراق بالمياه. وحسب المديرية العامة للسدود في العراق، فإن البلاد كانت تأخذ 30 % من حاجتها من مياه الأمطار، بينما تشكل مياه الأنهار الممتدة من تركيا وإيران 70 %. حيث إن بناء مرافق تخزين المياه من دولتي الجوار إلى جانب هطول غير منتظم للأمطار أدى لانخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسية بنسب مرتفعة جداً.

 العراق أمام مشكلة حقيقية، فسنة بعد أخرى تضمحل مياهه ومساحاته المزروعة، ما ينبئ بمستقبل قاتم، ما لم يتم وضع خطط ترشيد قاسية، ثم البدء بإيجاد مصادر بديلة، إضافة إلى الدفاع عن الحقوق المائية، التي أصبح الجميع يتناوشها بسبب ضعف بلاد الرافدين، والتهاء أطرافه بمعارك داخلية، ضاعفت من التدخلات الخارجية التي سعت وما زالت لامتصاص ما تبقى من ثروات.

 الخطوة الأولى لا بد من تشكيل حكومة مهنية، تبدأ برسم سياسات تهدف إلى حل المشاكل المتراكمة واحدة تلو الأخرى، ومنها قضية المياه، وإلا فسيصبح العراق الغني بشعبه وثقافته وتاريخه وثرواته قاحلاً بلا حول ولا قوة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"