27 ألف درهم تكفي..

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالله السويجي

تابعت باهتمام وبعض الدهشة، وشيء من الاستغراب، حواراً في «تويتر»، دار بين مجموعة من المواطنين والمواطنات، على خلفية اتصال إذاعي من سيدة مواطنة تقول إن راتبها حوالي ستة آلاف درهم، وتشكر الله على ذلك، وأبدت دهشة من الذين يتذمرون من راتبهم الذي يصل إلى 27 ألف درهم، ويقولون بأنه لا يكفيهم. وبدأت التعليقات التي شابها شيء من الاستهزاء بأقوال السيدة، خاصة أن أولادها يدرسون في مدارس خاصة (وين عايشة هذي، في صندقة؟!). ومن يريد متابعة الحوار ما عليه إلا أن يكتب في خانة البحث على «تويتر» (27 ألف درهم)، وسيعثر على آراء عجيبة وغريبة، ونكران للنعمة، وتجاهل للإمكانيات التي وفّرتها الدولة للمواطن، وأخص بالذكر البيت؛ إذ قلّما نجد مواطناً لا يمتلك بيتاً، بغض النظر إن كان قد حصل عليه منحة من الدولة، أو قام بتشييده على حسابه الخاص، وفي الحالة الأخيرة تكون الدولة قد منحته الأرض والقرض الميسّر. وحتى نكون منصفين، تضمّن الحوار آراء شكرت الله على نعمه، ورأت في ال27 ألف درهم دخلاً جيداً يمكّن الأسرة المواطنة من حياة كريمة.

 ما أذهلني في الآراء التي استصغرت واستخفّت بال27 ألف درهم، نسيانها وتجاهلها لأمور كثيرة، منها أن الدولة توفّر التعليم المجاني في المراحل كافة، ابتداء من التعليم العام إلى التعليم العالي، وتدفع للموظفين بدل تعليم يكفي للالتحاق بالمدارس. وأن الدولة توفّر العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية وغير الحكومية، عن طريق بطاقات التأمين الصّحي التي تغطّي بنسبة 100%. وأن الدولة تمنح تذاكر سفر للموظفين وأفراد أسرهم مرة واحدة في العام، وأن الدولة توفر منزلاً لكل مواطن، وتدفع بدل سكن للموظف في الوقت الذي يسكن في بيته أو بيت أهله. وأن الدولة تقدّم الكهرباء بسعر مخفّض للمواطن. ونسي المواطن أنه يحصل على منحة زواج ومنحة حج ومنحة للدراسة في الخارج، وهناك رواتب من الشؤون الاجتماعية للمطلقات والأرامل. فلماذا يتناسى كثيرون هذه النّعم، ويدرجون في تقسيماتهم للراتب: إيجار البيت، وتذاكر السفر، وتعليم الأبناء، وتكاليف العلاج، وجميعها توفّرها الدولة مجاناً.

 يبدو أن ثقافة الأخذ لا تزال منتشرة بين شريحة لا بأس بها من المجتمع، من دون أن تحل محلها ثقافة العطاء والشكر، إضافة إلى ثقافة الاستهلاك والتبذير، والنظر إلى الأمور الكمالية على أنها من الضروريات. فقد اشتكى البعض من عدم استطاعته السفر سوى مرتين في السنة! وأنه لا يستطيع دفع أقساط سوى سيارة واحدة! وأنه يضع في ميزانيته رواتب للعمالة، فمن قال إن السائق والطباخ والمزارع والمربية عمالة لا يمكن الاستغناء عنها في البيت؟ مع التفريق بالتأكيد بين حجم العائلات وظروفها الاجتماعية والمادية.

 يبدو أن مجتمعنا في حاجة إلى تعزيز ثقافة الإدارة المالية والاقتصاد، وتوعية الأجيال الصاعدة بقيمة الأشياء، وقبل كل شيء بالعرفان والشكر والامتنان لله وللدولة. فمن يقرأ بعض التعليقات والردود بشأن الموضوع أعلاه، ولا يعرف شيئاً عن الرفاهية التي توفّرها دولة الإمارات لأبنائها، سيعتقد أن الدولة مقصّرة، لا سمح الله، وأنها لا توفّر التعليم والعلاج والرعاية الصحية والبيت لمواطنيها، وأنا على ثقة من أن شعوب الأرض قاطبة تغبط المواطن الإماراتي على المستوى المعيشي الذي يتمتع به، وعلى سهولة العيش والإجراءات في المعاملات الحكومية وغير الحكومية، وعلى الأمن والأمان، والاستقرار الذي يسود أرض الدولة، ويرى كثيرون أن الإمارات نموذج للبناء والتقدّم والتطوّر والتسامح والتفاعل الثقافي.

 إن التغريدات التي وردت على سبيل التندّر والفكاهة تسيء لسمعة الدولة وللمواطن. نعم 27 ألف درهم، وأقل من ذلك، تكفي ليحيا الإنسان حياة كريمة هو وزوجته وأولاده، بل تكفي لتحقيق الرفاهية، إذا ما علمنا كيف ندير حياتنا، والله من وراء القصد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"