عادي

بعد 17 عاماً من رحيله.. قراءة في مشوار «البطل الإيجابي» أحمد زكي

19:17 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: حسين أبو السباع

في الذكرى السابعة عشرة لرحيل الفنان المصري أحمد زكي (18 نوفمبر 1949- 27 مارس 2005)، يتوقف المشهد قليلاً عند هذا المبدع أو «دوت كيشوت» السينما المصرية، إذ مثل سلسلة من أنجح الأفلام التي رصدت عن كثب تاريخ الشارع المصري على مدى ربع قرن وأكثر، وكأن زكي يصارع طواحين الهواء، محاولاً تحقيق حلم المدينة الفاضلة أو ال«يوتوبيا». لم يهتم زكي بمتن المجتمع فقط، وإنما عبر عن هامشه أيضاً. فجاءت شخصياته متنوعة مثل «البواب، وبائع السمك، والمدمن، والموظف، ورجل الشرطة، وتاجر المخدرات، والوزير، ورئيس الجمهورية...» وغيرها، وأخيراً الفنان أو «العندليب».

لم يكن زكي يحب أن يكون ممثلاً دور «البطل السلبي»- بحسب تعبير لوكاش - الذي يتصرف بمبدأ رد الفعل على الواقع تجاهه، وإنما كان «البطل الإيجابي» أو الإشكالي الذي يصنع الحدث ويتابع تدرج نموه.

1

مسيرته حافلة بالأدوار المركبة. ففي مسلسل«الأيام»- انطلاقته الأولى تلفزيونياً- جسد دور عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بكل معاناته وآلامه وآماله وتطلعاته. وهو «الرجل المهم» في فيلم «زوجة رجل مهم» و«زينهم» في«الإمبراطور» مجسداً مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وإلى أي مدى أثرت سلباً في ظهور نماذج مرفوضة في المجتمع، لكنها حققت الثراء المالي الضخم.

رجل الشرطة والمجرم ضدان التقاهما زكي، وجسدهما بكل ما يحمل من ثقافة وفن، ورسالة، لينبئ من بين ثنايا العمل عن مرحلة سياسية مر بها المجتمع المصري أفرزت بعض الجوانب السلبية، معيداً طرحها وصياغتها من جديد في إطار فني فريد، فأعانت المشاهد على فهم واقعه والتصرف من خلال الوعي المدرك.

خبرته الطويلة علمته أن يكون جمال عبد الناصر في «ناصر 56» وأنور السادات في «أيام السادات». لم يفصح زكي عن توجهه الأيديولوجي. فحينما لعب دور ناصر حَسِبَ المشاهد والناقد معاً أنه ناصري. لكنَّه سرعان ما فاجأ الجميع بفيلمه «أيام السادات»- الذي كان من إنتاجه - ليقول إنه مصري خالص، لا ناصري ولا ساداتي، وإنما هو فنان عاشق لفنه وعمله، أراد أن يترك القدوة العملية والتاريخ المشاهد إلى جانب التاريخ المقروء.

1

ومنذ مدة طويلة انزوت الفكرة وراء «الإفيه» الانفعال. لكن زكي، خلال السنوات الأخيرة من حياته، جعل الفكرة هي بطل عمله المحوري الذي تدور حوله القصة، ليثير انتباه المشاهد إلى تلك القضايا التي يعرضها، وذلك لجعل المتلقي يلعب دوراً فاعلاً في العملية الإبداعية. كانت له مقولة شهيرة من عين الناس، فقال: «بعض الناس يحملون عيناً يستطيعون التعبير بها، والبعض الآخر يحمل عين السمكة العاجزة عن التعبير».

كانت لديه مواهب متعددة. فحينما بدأ في مسرحية «هاللو شلبي» كان يجيد التقليد. واستعان بتلك الموهبة ثانية ووظفها في «الراعي والنساء». كما أنه كان يستطيع أداء الأغاني، وقد أدى بعضها في فيلم «أربعة في مهمة رسمية»، ومسلسل اجتماعي تحت عنوان «هو وهي»، وفيلم «الدرجة الثالثة»، وغنّى ثلاث أغنيات في فيلم «حليم». وكان دور أحمد الشاعر، في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، يعد انطلاقة فنية للنجم الأسمر، الذي ما لبث أن لمع نجمه فكان «النمر الأسود»، و«البريء»، و«متولي» في«شفيقة ومتولي» وغيرها من الأعمال التي أثرت السينما المصرية على مدى أكثر من ربع قرن مضى.

كانت رؤية زكي الفنية مفعمة بالأمل والنظر إلى الواقع المأزوم الذي يعانيه أبناء جيله. فمنذ فيلمي «أيام الصمت» و«العمر لحظة»، يجسد بصورة تقترب كثيراً من الواقع معاناة الشباب خلف خط النار، قبل حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. ولم يكن «الحب فوق هضبة الهرم»، و«أنا لا أكذب ولكني أتجمل» إلا مرآة اجتماعية وإضافة حقيقية للواقعية النقدية.

وجاء في فيلم «ضد الحكومة» معلناً حالة من الشغب الثقافي ضد فئة من معدومي الضمير، ليكشف زيف بعض المحامين الذين يستغلون قضايا التعويضات أسوأ استغلال أمام الرأي العام. وكذلك فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» مع المخرج شريف عرفة، جسد صورة الأب الفقير الذي أنجب الفتاة الجامعية التي أحبها ابن الأثرياء، ويرفض والد الابن الثري الزواج من ابنة ذلك الأب في معالجة مفعمة بالإنسانية، قصة قديمة حديثة لواقعٍ معاش، لكنه قدم خلاصة المعاناة بكلامه في مشهد «الفينالة» بفيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة». كإسقاط على صورة اجتماعية أخرى في الإطار نفسه. وقد وصلت الرسالة إلى الجمهور بسهولة ويسر، وصارت هذه الجملة دعوة للتفاؤل تتناقلها ألسنة الشباب.

وفي فيلم «الهروب» مثّل دور منتصر الذي أبداً لم يكن منتصراً فقد انهزم هو والضابط الذي كان يمثل معادله الموضوعي قيمياً. وفي «امرأة واحدة لا تكفي» صورة صحفي يعاني إحباطات مهنية وسياسية أسقطها من دون وعي على دأب السكر والجري وراء النساء. أحب ثلاث نساء يحملن ثلاثة تيارات اجتماعية، ليعبر في النهاية عن أن من الصعب الاختيار أو المفاضلة بين ثلاثتهن، أو الانتماء إلى أي تيار متوازٍ مع قناعات الشخصية، وعلى التيار الموازي نفسه، لإحباطات نكسة الخامس من يونيو/ حزيران 1967م، جاء فيلم «الرجل الثالث» ليجسد دور الطيار الذي ظلم ليواجه صعوبات حياتية يثبت من خلالها - بمرور الوقت- أمام ابنه أنه بطل، وليرفع رأسه منتصراً من جديد.

كانت نزعة دون كيشوتية تتملكه، وروح الفنان اللاهث خلف رسالة فنية تتأرجح بين الأنموذج الصعب تحقيقه والواقع المضاد لتحقيق الحلم. لم يكن زكي من الفنانين الذين وصلوا للنجومية بسرعة الصاروخ. وحتى سئل عن سبب نجوميته السريعة ضحك قائلاً: «عشرين سنة شغل» ونقول: نجومية سريعة. عمره لم يكن طويلاً، وعاشه زكي من أجل التعبير عن معاناته الشخصية، ومعاناة أبناء جيله ومعاناة مع واقع ثقافي معيش. فخرج من إطار المحلية إلى إطار العربية، فصار نجماً عربياً بكل ما تحمل الكلمة من مضامين إيجابية. وحتى لحظات الوداع لم يكن زكي متقوقعاً في مرضه وذاته. لكنه كان يسأل باستمرار عن آخر أعماله التي لم تكتمل، «حليم»، وأوصى أن تكون جنازته هي آخر جزء من الفيلم حين اكتماله وعرضه للجمهور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"