ماذا تعرف عن..؟

د. حسن مدن

من باب الفضول جربوا أن تضعوا في خانة البحث في «جوجل» العبارة التالية: «ماذا تعرف عن؟»، ولا تحددوا الشيء الذي تريدون معرفته، لكي تنهال عليكم العبارة نفسها متبوعة بأشياء كثيرة، في أي مجال قد يخطر على بالكم. إن كنتم من الشغوفين بعلم الفضاء والكواكب وما في الكون من أجرام ونجوم، ستنهال عليكم عبارات من نوع ماذا تعرف عن: الشمس، القمر، الأرض.. إلخ، وإن كنتم معنيين بالأمور الصحية وبالقلق المصاحب لها، فستجدون السؤال نفسه يدور عن آلام الظهر، الركبتين، اليدين، الرقبة، المعدة، مرض السرطان، أمراض الدم، وقانا الله وإياكم من كل سوء.
وإن كنتم من المولعين بالرياضة، فستصادفكم العبارة مصحوبة بالسؤال عن كرة القدم، كرة الطائرة، ألعاب القوى، الجمباز، المونديال، الأولمبياد.. إلخ.
وإن كنتم من هواة العالم الرقمي، فستجدون السؤال يدور عن الإنترنت، الحواسيب، آخر موديلات الهواتف الذكية، المواقع الإلكترونية، أما إذا كنتم من أهل الاقتصاد والمال فحدّث ولا حرج، بدءاً من المشروعات الصغيرة، مروراً بأسعار البورصة، وأسعار النفط والغاز، ومن الطبيعي عن خط أنابيب «نورد ستريم – 2» الروسي إلى ألمانيا، الذي جمد قبل البدء في تشغيله على خلفية الحرب في أوكرانيا.
هل خرجنا من الاقتصاد لنلج السياسة؟ الإجابة بنعم كبيرة. تذكروا المقولة الشهيرة: «السياسة اقتصاد مكثف»، ولا بأس من قلبها وتظل صحيحة: «الاقتصاد سياسة مكثفة». وهل الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا إلا حرب اقتصادية في الجوهر؟ فأمريكا لا تريد لألمانيا خاصة، ولأوروبا عامة أن تستمر في استيراد الغاز الروسي، فلتكن الحرب الدائرة اليوم، بالنسبة لواشنطن، فرصة لإنهاء ذلك إذن.
ولأننا ولجنا فضاء حرب أوكرانيا، طبيعي أن تصادفنا أسئلة ذات صلة، لا تدور بالضرورة عن سير المعارك واحتمالات تطور النزاع. مثلاً سنقرأ السؤال التالي: «ماذا تعرف عن زوجة الرئيس الأوكراني إلينا زيلينسكا؟». العالم الرقمي يجعل من الثانوي والهامشي مُهمّاً إن أراد، ما الذي يهم الناس في أمر كاتبة السيناريو التي شاءت الأقدار أن تكون زوجة الرئيس، فيما المعارك على أشدّها؟
 سيصادفنا سؤال آخر، مهم هذه المرة: «ماذا تعرف عن فرقة «أزوف» التي تقاتل القوات الروسية اليوم في مدينة ماريوبل، التي لا تخفي تبنيها لأيديولوجية النازيين الجدد؟ وهي وحدة مشاة عسكرية جميع منتسبيها من الجناح القومي المتطرف، وإلى جانب أيديولوجيتها المتطرفة، ترفع الكتيبة رايات وأعلاماً عليها رموز تعود إلى العهد النازي، وجعلت روسيا من المطالبة بإقصائها عن السلطة والتأثير في أوكرانيا أحد أهداف عمليتها العسكرية هناك.
وفي النهاية فإننا مهما قرأنا من إجابات عن: «ماذا تعرف عن...»، فستظل معارفنا محدودة في بحر معارف لا ضفاف له.
[email protected]