عادي

متحف المستقبل.. من هنا نستأنف الحضارة العربية

03:12 صباحا
قراءة 7 دقائق
4044094

إعداد: إيمان عبد الله آل علي

«متحف المستقبل».. ابن القمة العالمية للحكومات، ولدت فكرته في قمة 2015، وها هو اليوم يتربع في وسط شارع الشيخ زايد في قلب دبي، ليتجاوز قيود الزمان والمكان ونعيش معه عبر التكنولوجيا الحديثة المستقبل قبل أوانه.

هنا المستقبل والغد، هنا تعيش الخيال بأجمل صوره، تبحر في أسراره، وتسرح في خفاياه، وتفتش عن جديده، لتدرك التحديات التي قد تواجه البشرية في المستقبل، وتبتكر وتجتهد وتختبر أفضل الحلول.

متحف المستقبل الذي حمل لقب «أجمل مبنى على وجه الأرض»، حمل بين زواياه عناصر الإبهار، والجمال ليدهش كل من يشاهده راسخاً فوق التلة الخضراء بشموخ؛ فما سرّ هذا المبنى؟ وماذا يوجد في متحف المستقبل؟ وكيف سيغير واقعنا للأفضل؟

بيت حكمة جديد

يشكل «متحف المستقبل» حقيقة ظاهرة أنه نقطة البداية لإعادة العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية، ليشكل بيت حكمة جديداً في القرن الواحد والعشرين، عبر احتضان العقول والتكنولوجيا والابتكارات، وخلق حياة أفضل لمستقبل البشرية، ويعيد أمجاد الماضي المتمثل بإنجازات «بيت الحكمة» ببغداد الذي يعدّ أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية، وكان له أثر عظيم في تطورها لقرون.

وكلمة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عند إطلاقه مؤسسة دبي للمستقبل «أسس العرب والمسلمون بيت الحكمة في القرن التاسع الميلادي ليكون نموذجاً عالمياً ومنارة للعلوم وجامعاً للمبتكرين من شتى بقاع الأرض.. واليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى بيت للحكمة في القرن الحادي والعشرين نعيد به أمجاد الماضي نواكب المتغيرات ونستشرف من خلاله المستقبل ونصنعه ونبتكر لخدمة الإنسانية، وها نحن نقف اليوم بعد أكثر من ألف سنة لنعيد إحياء بيت الحكمة من خلال مؤسسة دبي للمستقبل لنشكل بها منارة للعلوم وجامعة للعقول».

جولة استثنائية

جميع زوار المتحف سيكونون على موعد لركوب آلة الزمن والمغادرة إلى المستقبل، إلى العالم البعيد، لعيش المستقبل بمختلف آفاقه وأبعاده، في رحلة استثنائية بكل المقاييس، يتسنّى لهم عبرها اختبار تجارب مستقبلية مثيرة ضمن عالم متصل ومتكامل تمسّ مختلف جوانب حياة الإنسان وتفاعله مع البيئة من حوله، وسبل التعامل مع مختلف التحديات التي تواجه واقعه وكيفية تطويع التكنولوجيا المتقدمة، بما يصنع واقعاً أفضل له ولأسرته ومجتمعه وللإنسانية كلها؛ حيث يوظف المتحف أحدث تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز وتحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتفاعل الآلي البشري لتحفيز الزوار على الإجابة عن كثير من الأسئلة المتعلقة بمستقبل الإنسان والمدن والمجتمعات البشرية والحياة على كوكب الأرض، وصولاً إلى الفضاء الخارجي.

المحطة الفضائية

هل فكرت يوماً أن تكون على متن محطة فضائية؟ إن حلمت بذلك في يوم ما، فستحقق حلمك بمجرد وصولك إلى متحف المستقبل؛ حيث المحطة الفضائية المدارية - أمل OSS Hope، التي صمّمت على نحو يحاكي موطناً للإنسانية في الفضاء. وتأخذ المحطة زوار المتحف في رحلة افتراضية إلى الفضاء الخارجي، يكتشفون خلالها مختلف المهمات والأبحاث التي تنفّذ على متن المحطة، وعند إنجاز المهمة بنجاح، يغادر الزوّار الفضاء عائدين إلى الأرض، ليكتشفوا صورة متخيّلة لما ستصبح دبي والعالم عليه في عام 2071 مع الجهود المبذولة لاستعادة صحة النظام الطبيعي واستدامة موارد الكوكب.

تقنيات الواقع الافتراضي

لتعيش التجربة التفاعلية، توجه إلى مختبر «إعادة تأهيل الطبيعة» الذي يوظف تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، لإدخال زوار المتحف في تجربة تفاعلية، عليهم عبرها جمع عيّنات أثناء استكشافهم للغابات المطيرة ومقومات الحياة والتنوّع الحيوي فيها، للمساهمة في جهود إعادة تأهيل الغابة بأنواعها الحية ونباتاتها وحيواناتها، والمساعدة في إصلاح الأضرار التي أصابت الغابات وحماية الكائنات الموجودة. وهناك جهاز محاكاة الطبيعة، الذي يسمح لزوار المتحف بإدراج الكائنات الحية التي أسهموا في إنقاذها افتراضياً، ومن ثم تحليلها بهدف تقديم تصور رقمي لتأثيرها المحتمل في إعادة الحياة إلى النظام البيئي للغابات التي تشكل رئة كوكب الأرض.

استكشاف الذات
في منطقة «الواحة» في متحف المستقبل، سيجد الزوار فرصة لاستكشاف الذات واستعادة التواصل مع أنفسهم بعيداً عن المؤثرات الخارجية والتقنيات التي قد تشتت انتباههم، ضمن عالم يحاكي الحواس وآليات استجابتها للمؤثرات الخارجية، وفي بيئة تركّز على الصحة البدنية والصفاء الذهني وضبط مقاييس التفكير التصميمي الذي يتصور المستقبل ويصنعه، ما يتيح لهم التأمل وتعزيز التوازن الطبيعي في دواخلهم.

مستقبل البشرية

معرض «المستقبل اليوم»، الذي يضم تقنيات متطورة ورائدة يمكن أن تساعد في تشكيل مستقبل البشرية، تشمل أكثر من 50 معروضاً من النماذج الأولية والمنتجات الحالية التي يقدمها المتحف للزوار بالتعاون مع جهات ومؤسسات حكومية وبعقد شراكات استراتيجية مع شركات عالمية رائدة في استشراف وتصميم المستقبل وحلوله الإبداعية في خمسة مجالات رئيسية، هي: تخطيط مدن ومجتمعات المستقبل، وتعزيز حلول الزراعة والري، وتوفير الأمن الغذائي للبشرية، وإدارة المخلّفات بشكل مستدام، وحماية بيئة الكوكب.

تحفيز الفضول العلمي

منصة «أبطال المستقبل»، المصممة للأطفال دون العاشرة، وتهدف إلى تحفيز الفضول العلمي لدى النشء وتشجيعهم على سبر غور اكتشافات جديدة عن أنفسهم وعن العالم من حولهم، إلى جانب النشاطات التعليمية والمعرفية التثقيفية، في إطار ترفيهي، التي تقدمها هذه المنصة للفتية، بوصفها أول منصة من نوعها على مستوى العالم، يضع فيها جيل المستقبل حجر الأساس لمستقبله، ويطلق بها العنان لقدراته.

المبنى الأكثر انسيابية

متحف المستقبل يضم قاعة متعددة الاستخدامات تستوعب أكثر من 1000 شخص، كما توجد ضمن أقسامه قاعة خاصة للمحاضرات والورش التفاعلية تستوعب أكثر من 345 شخصاً. وقد صمّم بتوظيف أحدث الأدوات والأساليب المعمارية وأحدث التقنيات؛ حيث يوصف بأنه المبنى الأكثر انسيابية في العالم؛ إذ لا توجد أعمدة داخله. وتتألف واجهة المتحف من 1024 لوحاً تمتد على مساحة 17.600 متر مربع، وقد أنتجت ألواح الواجهة باستخدام أذرع آلية مؤتمتة في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة.

مستشرفو المستقبل

المتحف لا يقتصر إبهاره على شكله؛ بل يمثل منصة تجمع أهم وأبرز العقول والخبرات ومستشرفي المستقبل للاستعداد لبيئة المستقبل، والمساهمة في رصد أهم التطورات والتحديات والمعضلات التي ستواجه البشرية في الخمسين سنة المقبلة، وإيجاد حلول غير تقليدية لها. سيكون المتحف حاضنة للنوابغ والمواهب من العلماء والمفكرين والباحثين وأكبر مختبر من نوعه للأفكار والتصورات الجريئة، لتنطلق منه المبادرات والمشاريع العلمية والمعرفية للمساهمة في تسريع التطور العلمي في شتى المجالات.

معجزة هندسية

خيال علمي، تحفة معمارية، معجزة هندسية، أيقونة فريدة، كلها مصطلحات تليق بمتحف المستقبل، والذي جمع بين أجمل ما ابتكره الفكر الإنساني الخلّاق وأرقى ما توصل إليه الفن المعماري وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية، بما في ذلك تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. يتألف متحف المستقبل من ثلاثة عناصر رئيسية، هي: التلة التي يرتفع فوقها المبنى، وتصميم المبنى الخارجي، والمحتوى الداخلي للمتحف، ضمن مقاربة مفاهيمية متكاملة، تشكل العناصر الثلاثة في مجموعها القيمة المعمارية والفنية والمعرفية والفلسفية للمبنى الأيقوني.

مجمع للأدمغة

يعدّ المتحف أكبر مجمع للأدمغة العلمية والمعرفية ومركزاً لأحدث الابتكارات العلمية والتكنولوجية المتقدمة. كما سيعمل المتحف على خلق أرضية تربط المبادرات التنموية والاقتصادية والمجتمعية بأحدث الاكتشافات العلمية والمعرفية والتقنية من منظور مستقبلي استشرافي؛ وذلك عبر إطلاق واحتضان ورعاية الكثير من المشاريع والمبادرات تحت مظلة المتحف، بما يسهم في خدمة شعوب ومجتمعات العالم العربي والارتقاء بالمسيرة التطورية في المنطقة.

على صعيد المجتمع العلمي الدولي، سوف يسهم في خلق حراك فكري ومعرفي عالمي عن استقصاء واستشراف التغيرات والاتجاهات المستقبلية في شتى المجالات العلمية والاقتصادية والتنموية والإنسانية.

كذلك، سيعمل على ربط المفكرين والمتخصصين ومستشرفي المستقبل من مختلف أنحاء العالم عبر عقد ملتقيات ومنتديات دورية، وجلسات بحثية ونقاشات معرفية يستضيفها على مدار العام.

وسوف يكون المجمع المعرفي في دبي، الذي تصب فيه الرؤى والتصورات والتجارب الإنسانية المستقبلية؛ بحيث يُعاش المستقبل عبره قبل حدوثه، بتفاصيله، وبتحدياته. ومنه ستصمّم مدن المستقبل، والحياة في المستقبل، وكل ما يمسّ حياة الأفراد والمجتمعات.

عين ترى الغد

الهيكل الخارجي مصمم على شكل «عين»، في تمثيل للمعرفة التي نعيشها اليوم، وكذلك في إشارة للرؤية المستقبلية، فالمتحف هو العين التي ترى الغد، في حين يشكل الفراغ في قلب العين المجهول الذي لا نعرفه ونسعى لاكتشافه، فهو المستقبل الذي سنرسمه ونصنعه باكتشافات البشرية وإنجازاتها.

وتشكل التلة الخضراء التي يرتفع مبنى متحف المستقبل فوقها رمزاً للاستقرار والثبات والرسوخ، وتجذُّر التجربة الإماراتية الملهمة في الأرض، فأعمدة الغد تقوم على أسس الماضي، والمستقبل لا قيمة له إذا لم ينطلق من التاريخ.

وتشكل الكتابة التي تزيِّن واجهة متحف المستقبل بالكامل الرسائل الرئيسية والرؤية الفكرية البعيدة النظر لهذا الصرح المعرفي، وهي ثلاثة اقتباسات ملهمة من أقوال صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، هي: «لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين»، و«المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا ينتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم»، و«سرّ تجدُّد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار»؛ حيث تلخص هذه الاقتباسات فلسفة سموّه، وفلسفة متحف المستقبل والدور المتوقع منه في المساهمة في صناعة المستقبل وتصميمه، بما يسهم في إثراء التجربة الإنسانية ودفعها لآفاق جديدة.

جائزة «تيكلا» العالمية

يعدّ المتحف أيقونة عمرانية لا مثيل لها في العالم، وحصد جائزة «تيكلا» العالمية للبناء كونه نموذجاً عمرانياً فريداً؛ حيث لا يوجد أي مبنى في العالم شيّد بناءً على تقنيات مشابهة واعتمد على تقنيات خاصة ميزته عن سائر المباني. وذكرت أتوديسك لبرمجيات التصميم أن متحف المستقبل هو أحد أكثر المباني إبداعاً في العالم. وقد صمّم المبنى المهندس شون كيلا، ليقدم للزوار تجربة تفاعلية هي الأولى من نوعها.

المتحف الحي

يمكن وصفه ب«المتحف الحي»؛ حيث لا يتوقف عن الإبداع والابتكار، بسعيه الدؤوب والمستمر لاستقصاء واستكشاف أحدث ما يتوصل إليه العقل الإنساني، وآخر الأبحاث عن مستقبل البشرية في كل القطاعات. ويمكن وصف متحف المستقبل بأنه «المتحف الأكثر تجدداً» بمنتجه العلمي والمعرفي والفكري المتجدد على الدوام؛ حيث سيعزّز ويُغنى محتواه ومعروضاته، أولاً بأول، بأحدث الإنجازات التقنية وآخر الاكتشافات العلمية العالمية. وسوف تواكب الإنجازات والمتغيرات المستقبلية، وتحديث معروضات المتحف بناء على ذلك بصورة دورية للمحافظة على ديناميكيته وحيويته.

الخط العربي

يعكس استخدام الخط العربي في تزيين واجهة متحف المستقبل قيمة جمالية وإبداعية وفنية مهمة، فضلاً عن ذلك، يأتي استخدام الخط العربي في تصميم واجهة متحف المستقبل تجسيداً لرؤية المتحف في المساهمة النوعية والفاعلة في استئناف الحضارة العربية في عصرها الذهبي، يوم أضاءت أنفاق التاريخ المظلمة، عبر تصدير علومها ومعارفها وإنجازاتها للبشرية بلغة الضاد. وكان الفنان التشكيلي الإماراتي مطر بن لاحج قد صمّم مقولات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، رسماً وتنفيذاً، مستخدماً في ذلك خط «الثلث الجلي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"