عادي

العراق أمام الانتخابات المبكرة

22:51 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

كما كان متوقعاً فشل البرلمان العراقي في جلستيه السبت 26 مارس (آذار) والأربعاء 30 مارس(آذار)، في انتخاب الرئيس العراقي بعد فشل «تحالف إنقاذ وطن» الذى يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني و«تحالف سيادة»، في تأمين عدد الأصوات المطلوبة وهو ثلثي الأعضاء (220 عضواً من أصل 329 عضواً)، حيث استطاع فقط تأمين 202 عضو، بينما نجح الإطار التنسيقي، الذى يضم ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي وفصائل شيعية أخرى، في استخدام الثلث المعطل وهو 110 أصوت لإفشال جلسة انتخاب الرئيس، وبالتالي كرس حالة الانسداد السياسي وأعاد الكرة إلى المربع صفر.

جاء فشل البرلمان في انتخاب رئيس الجمهورية جراء التناقض بين القوى السياسية وتمسك كل طرف بموقفه، حيث تمسك «تحالف إنقاذ وطن» بتغليب مفهوم الأغلبية الوطنية في اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة تعبيراً عن مطالبات الشارع العراقي وهو ما جرت من أجله الانتخابات المبكرة في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وبالتالي تمسك بمرشحه ريبر أحمد، كمرشح عن الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب الرئيس، مقابل تمسك الإطار التنسيقي بمفهوم التوافق في اختيار المنصبين، حيث يطالب بتشكيل حكومة توافق وطني يشارك فيها الجميع استمراراً للعرف السياسي الذي ساد خلال العقدين الأخيرين، ومن ثم استخدم الإطار التنسيقي الثلث المعطل، كعصا وضعها في عجلة التحركات السياسية وإجهاض مساعي تحالف إنقاذ وطني لتغيير العرف السياسي وتغيير المعادلة السياسية التي سادت في البلاد.

منظومة سياسية جامدة

كشف الفشل في اختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم التأخر في اختيار رئيس الحكومة العراقية، على الرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات في أكتوبر(تشرين الأول) من العام الماضي، عن العديد من الدلائل المهمة:

* أولها: أن العملية السياسية في العراق أصبحت أسيرة المنظومة السياسية الجامدة التي سادت منذ عقدين، وارتكزت على المحاصصة الطائفية وتشكيل حكومة توافق وطني يشارك فيها الجميع من دون أن تكون هناك معارضة سياسية، واتضح أن هناك تحديات كبيرة أمام بعض القوى السياسية خاصة تحالف إنقاذ وطن الذي يقوده التيار الصدري في تغيير هذه المنظومة أو الخروج عليها في ظل المعارضة الشديدة من جانب بعض القوى السياسية التي تستميت في الدفاع عن مصالحها ومكتسباتها ونفوذها في ظل هذه الصيغة التوافقية، ورغم خسارة هذه القوى في الانتخابات إلا أنها تستخدم كل الأساليب لإجهاض أي تغيير في المعادلة السياسية، ومنها الثلث المعطل لانتخاب رئيس الجمهورية في إطار المقايضة والمساومة وربطه بتشكيل الحكومة وتواجد هذه القوى فيها. وهذا يعكس مأزق وإشكالية العملية السياسية حيث تغلّب الطبقة السياسية والقوى الحزبية مصالحها الخاصة على مصالح العراق، رغم أن الانتخابات المبكرة التي جرت في أكتوبر الماضي كانت استجابة لمطالب الشارع العراقي الذي دفع ثمناً غالياً من الشهداء والجرحى رفضاً للمحاصصة الطائفية.

* ثانيها: نزعت جلسات البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية الغطاء عن مفهوم المستقلين، الذين ذابوا في نهاية المطاف ضمن الأحزاب والتحالفات السياسية القائمة، سواء مع تحالف إنقاذ وطن أو مع الإطار التنسيقي، وخابت جهود ومناشدات مقتدى الصدر لهؤلاء المستقلين لدعم عملية اختيار رئيس الجمهورية، وهو ما يعكس مساعي القوى السياسية الحزبية المحمومة لاستقطاب هؤلاء وبالتالي تراجع الأمل في إمكانية أن يلعب المستقلون دوراً فاعلاً ووازناً في البرلمان خارج إطار الطائفية والحزبية بما يمكن أن يؤسس لتيار جديد يقود العملية السياسية في العراق مستقبلاً.

* ثالثها: كشفت المشادات بين أنصار تحالف إنقاذ وطن والإطار التنسيقي داخل البرلمان، عورات النظام السياسي وتغليب الحزبية والمصالح الشخصية على المصالح العامة. كما كشفت أيضا عدم احترام المواعيد الدستورية التي حددها الدستور والمحكمة العليا لاختيار منصبي رئيس الجمهورية والوزراء، وهو ما يدفع ثمنه العراق، شعباً ودولة فاستمرار التأخر في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة له عواقب وخيمة على البلاد، سواء من ناحية الفراغ الدستوري أو من الناحية الاقتصادية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والأوضاع المعيشية خاصة في ظل المتغيرات العالمية الضاغطة مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية على الدول العربية ومنها العراق، كذلك التداعيات الأمنية وتصاعد احتمالات عودة «داعش» وتزايد خطر الإرهاب في ظل الشلل السياسي الذى تعيشه البلاد منذ خمسة أشهر.

شبح الانتخابات المبكرة

رغم التحركات الحثيثة التي يقوم بها البعض من أجل الخروج من حالة الانسداد السياسي وتجنب شبح الانتخابات المبكرة، حيث قام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بزيارة طهران الأحد الماضي، للوصول إلى صيغة توافقية بشأن عملية اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إلا أننا أمام سيناريوهين بعد فشل جلسة الأربعاء الماضي:

* أولاً: أن تنجح التوافقات السياسية قبل السادس من إبريل (نيسان) كآخر موعد للاستحقاق الدستوري، في الوصول إلى صيغة وسط بين تحالف إنقاذ وطن والإطار التنسيقي تقوم على تشكيل حكومة توافق وطني، كما جرى في السابق، كمخرج لحالة الانسداد السياسي، وأن تحدث تفاهمات بين الحزبيين الكرديين للاتفاق على مرشح واحد، وأن يترك الحزب الديمقراطي الكردستاني رئاسة الدولة لمرشح حزب الاتحاد الوطني برهم صالح، مقابل الاحتفاظ برئاسة الإقليم، كما هو العرف السابق، ومن ثم تتم عملية اختيار رئيس الجمهورية قبل هذا الموعد، ومن ثم يتم اختيار رئيس الوزراء والذى غالباً ما يكون جعفر الصدر ابن عم التيار الصدري، وتخرج البلاد من أزمتها وهذا السيناريو ضعيف يواجه تحديات كثيرة.

* ثانياً: أن تفشل المساعي والجهود السياسية في تحقيق التوافق ويفشل البرلمان في اختيار رئيس الجمهورية وأن يتجاوز المهلة الدستورية بعد أسبوع، في ظل حالة التمترس من جانب كل طرف في مواقفه خاصة في ظل تزايد حدة الاستقطاب بينهما، وفشل المساعي الإقليمية في إيجاد أرضية مشتركة بينهما، وبالتالي يتجه الجميع إلى خيار حل البرلمان بطلب من ثلث الأعضاء وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء وفق المادة 64 من الدستور. وتشكيل حكومة طوارئ ومن ثم الاتجاه نحو الانتخابات البرلمانية المبكرة وهو ما ستكون له تداعيات خطرة سلبية على العراق. لكن الأخطر أن يتحول الصراع السياسي إلى صراع مسلح في ظل الفراغ الدستوري وافتقاد بعض القوى السياسية العقلانية في تغليب المصلحة العليا للبلاد.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"