عادي

د. نصر فريد واصل: رمضان شهر عمل وإنتاج

23:59 مساء
قراءة 7 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
فروق بسيطة فاصلة بين «الصوم المقبول» و«الصوم الشكلي» الخالي من روحانية تلك العبادة التي أرداها الخالق سبحانه وتعالى لتعميق التقوى في قلوب الصائمين. ومن المهم أن يتعرف إليها المسلم وهو يستعد لاستقبال الشهر الكريم.

د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومفتي مصر الأسبق، يرسم لنا في هذا الحوار «خارطة طريق» ويرشدنا إلى طريق الحق والخير لنجني ثمار العبادة والطاعة من الشهر الفضيل، ونخرج منه بأعظم المكاسب، ليكون محطة مهمة في حياتنا جميعاً نراجع فيه أنفسنا، ونتخلص فيه من المعاصي والذنوب.

* بماذا تنصح المسلم وهو يستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك ليجني المزيد من الأجر والثواب؟

- على كل مسلم أن يستعد لاستقبال خير الشهور، ويؤهل نفسه ليجني ثماره الطيبة عن طريق أداء ما عليه من عبادات وما يحرص عليه من طاعات. وهذا الشهر لا يتوقف عطاؤه على ثمار الصوم فقط؛ بل له عطاءات متعددة ومتنوعة ينبغي الحرص عليها لأنها تضاعف أجر وثواب الصوم، فلا معنى لصوم بدون صلاة، ولا يتكامل أجر العبادتين دون الوفاء بأجر الزكاة والصدقات التطوعية. ويضاف لكل هذه العطاءات أجر وثواب مدارسة القرآن والاعتكاف متى سمحت ظروف المسلم بذلك، وإحياء العشر الأواخر من رمضان. كل هذه العبادات ينبغي أن تكون في خريطة كل مسلم وهو يستعد لاستقبال شهر الطاعة والعبادة.

1

* البعض يفهم من عبارة «شهر الطاعة والعبادة» أن يتفرغ للعبادة في رمضان ويتخلى عن أعماله وواجباته الحياتية، ما حكم الشرع فيمن يفعل ذلك؟

-العبادة والطاعة في فلسفة الإسلام ليس لهما مواسم ومناسبات تؤدى فيهما ثم تهملان بعد ذلك، فالمسلم في عبادة وطاعة لله في كل لحظة، لكن اختص الله بعض الأيام ليكون أجر العبادة والطاعة فيها مضاعفاً، ومن هذه الأيام شهر رمضان المبارك، الذي يجب الاحتفاء به، لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، احتفى به، وخصّه ببعض العبادات مثل الاعتكاف والتراويح، وحث فيه على طاعات أخرى مثل قراءة القرآن ومدارسته، لأنه الشهر الذي كرمه الله بنزوله فيه.

ولذلك نحث المسلمين جميعاً على أداء عبادات الإسلام على الوجه الأكمل في هذه الأيام المباركة.

* تشير تقارير إلى تراجع معدلات العمل والإنتاج في شهر رمضان في البلاد الإسلامية، ما هي نصيحتكم للمتكاسلين عن أداء أعمالهم وواجباتهم الوظيفية بدعوى الصيام؟

- رمضان شهر عمل وإنتاج كما هو شهر عبادة وطاعة، وتواصل إنساني واجتماعي، وإذا كان هدف الصيام تحصيل التقوى كما أخبرنا القرآن الكريم في قوله سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».. وقوله عز وجل: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى»، فهذه التقوى هي التي تدفع المسلم إلى أن يقوم بواجباته، ويؤدى عمله على الوجه الأكمل. والتقوى التي هي هدف الصوم ينبغي أن تعصم المسلم من ارتكاب ما حرم الله، والإكثار من عمل الخيرات، والتقرب إلى الله تعالى بكل سلوك راق، وهذا لا يتحقق إلا بأن يصوم المسلم عن المفطرات التي تتمثل في شهوات البطن والفرج، وأن يؤدي واجبه نحو مجتمعه وأهله، وأن يقوم بواجباته في العمل الذي كلف به على أكمل وجه؛ بل أن يكون صيامه حثاً له على إتقان العمل وجودته؛ لأن هذا من علامات تقوى الله وإخلاص العمل لوجهه الكريم، وينبغي أن يكون التزام الصائم في أدائه لعمله انعكاساً وترجمة للتخلق بأخلاق الصيام.

لا يجوز أبداً أن يستخدم الصائم صيامه ذريعة للتقصير في أداء واجباته أو الإهمال في القيام بالعمل المكلف به، فأحياناً يكون عمل الإنسان فيما يعود عليه أو على الناس بالنفع أفضل عند الله وأولى من العبادة، ولذلك رخص للصائم الإفطار منعاً للمشقة عليه؛ ورخص لصاحب العمل الشاقة في رمضان بالفطر، لأنه يؤدي عملاً نافعاً للمجتمع ولنفسه.

العبادات التي يؤديها المسلم في رمضان من صوم وصلاة وصدقات مفروضة وتطوعية لا تشفع للصائم تقصيره في أداء عمله، ومن يعتقد أو يفهم غير ذلك فهو لا يدرك المقاصد الشرعية والأهداف السامية للعبادات، خاصة الصوم، فهو ليس مجرد طقوس يؤديها المسلم؛ بل هو عبادة ترتبط بعبادات ويترتب عليها واجبات، وإهمال الأعمال والواجبات في رمضان تقصير يحاسب عليه المسلم لا شك في ذلك، وقد يحرم هذا التقصير من أجر وثواب العبادة فيكون ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش».. وهذا أمر مهم ما أحوجنا إلى أن نتدبره ونعي حقائقه.

مراجعة النفس

* ماذا تقولون للشباب الذين لا يلتزمون بهدايات الإسلام طوال العام وتصدر عن بعضهم سلوكيات منافية للآداب والأخلاق الإسلامية؟

- رمضان أعظم فرصة لمراجعة النفس، وتهذيب السلوك، والتقرب إلى الله بكل صنوف الخير، ولا ينبغي أن يفوت المسلم على نفسه هذه الفرصة، وهنا لا يكفي الالتزام بفريضة الصوم ليؤدى الإنسان ما عليه في رمضان، كما يظن البعض؛ بل يجب أن تتكامل فريضة الصوم مع باقي العبادات طوال هذا الشهر الكريم.

ولذلك، فإن من يفوّت على نفسه فرصة العبادة والطاعة في رمضان فليس له من عطاء هذا الشهر نصيب. وأدعو كل مسلم أن يتأمل قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في استقبال رمضان: «قد جاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر».

لا فائدة من الرياء

* البعض يتظاهر بالتقوى والصلاح وتظهر عليه علامات الهداية في رمضان فقط.. ماذا تقولون لهؤلاء؟

- المسلم لا يصلي ولا يلتزم بالعبادات والطاعات من أجل الناس، لكنه يفعل ذلك مرضاة لله، والتزاماً بأوامره، ولذلك فإن التظاهر بالتقوى والصلاح أبشع صور الرياء، وننصح كل مسلم أن يؤدى العبادات كلها في رمضان وفي غيره مرضاة لله، سبحانه وتعالى، وأن يتجنب كل صور الرياء التي تفسد عليه عبادته. والعبادة يجب أن يصاحبها حسن خلق، فمن يصلي ويصوم ويزكي ويتخلق بأخلاق الإسلام في تعاملاته مع الناس يحظى بكامل الأجر والثواب، وواجب كل مسلم أن يدرك أنه يعيش في رمضان أياماً مباركة في رحاب شهر عظيم كرمه الله، عز وجل، بأن جعل الله صيام نهاره فريضة من أعظم الفرائض، وقيام ليله بالعبادة والطاعة من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه. وعلينا جميعاً أن نستفيد من جلال وعظمة هذا الشهر المبارك، وأن نعيش رمضان كما أراد لنا خالقنا، وأن نسعى ونجتهد ونبذل كل جهده لنخرج منه بأفضل المكاسب.

آداب وأخلاقيات

* ما الذي يقربنا من «الصوم المقبول» الذي بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

- الصوم عبادة هدفها الارتقاء بالأخلاق، وكل عبادة لها آداب ينبغي الحرص عليها حتى نجني ثمارها كاملة، ولذلك ننصح كل مسلم بالحرص على آداب الصيام وأخلاقياته التي ترتقى بسلوكه في رمضان وبعده ليكتمل أجره. والصائم الذي تتجسد في سلوكياته قيم وأخلاق الإسلام، من صدق وأمانة وعفو ورحمة وبر وإحسان وانضباط نفسي هو من هداه الله إلى «الصوم المقبول»، كما يجب أن يكون السلوك العام للصائم متناسقاً مع الحكمة من صيام رمضان، فيبتعد عن الخصام والشقاق وقطع صلة الأرحام، ويلزم نفسه الطريق المستقيم الذي ينتهي به إلى إرضاء الله، عز وجل، فلا تمتد يده الي حرام، لا يظلم ولا يشتم ولا يسب ولا يفحش في القول، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يكشف سراً ستره الله. كل من يحرص على ذلك ويصوم ويصلى ويتصدق بإخلاص يكون صومه مقبولا إن شاء الله، ويخرج من هذا الشهر الكريم بأعظم المكاسب.

تسامح وعفو

* بماذا الذين تسيطر عليهم الانفعالات والعصبية في رمضان ويبررون سلوكهم هذا بالتأثر بالصوم؟

- هذه عصبية مفتعلة الصوم بريء منها، وهي علامة على عدم التخلق بأخلاق الصوم، فالصائم الملتزم بآداب الإسلام لا يعرف التوتر والعصبية والانفعال؛ بل هو إنسان هادئ الطبع مطمئن النفس، يعيش مع خالقه ويؤدي واجباته الدينية والدنيوية في هدوء وسكينة.

العبادات تقودنا دائماً إلى التسامح والرحمة، والعفو عند المقدرة خلق إسلامي كريم، واجب المسلم أن يحرص عليه في كل أحواله، وفي كل أيام وشهور السنة، والتسامح في التعامل مع الآخر ينبغي أن يتجسد في سلوك المسلم في كل وقت، وهو ألزم في رمضان. وهذا التسامح لا يعني الضعف والاستسلام، فالمتسامح إنسان قوي، لديه ثقة كبيرة في نفسه، وهو محل احترام الناس وتقديرهم.

لذلك نتمنى أن يكون رمضان فرصة حقيقية للانضباط السلوكي والأخلاقي، فيتضاعف تسامحنا وعفونا وتعاملنا الراقي بعضنا مع بعض، والرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو معلمنا وقدوتنا الحسنة، يحثنا على ذلك فيقول في الحديث الصحيح: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم.

غفران الصغائر فقط

* سألنا د.نصر فريد واصل إن كان الصوم المقبول يخلص صاحبه من كل الذنوب والمعاصي، فقال:

الصيام جزاؤه عظيم وثوابه جزيل، وقال بعض العلماء إن الله، عز وجل، يغفر للصائم المخلص في أداء عبادته كل ما تقدم من ذنبه، لكن قال جمهور العلماء إن الله يغفر للصائم الصغائر من ذنوبه دون الكبائر؛ لأنها لا تكفر إلا بالتوبة منها، والتوبة تعني ترك الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، والندم على ما فات، ورد المظالم إلى أهلها إذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق الناس أو الدولة، فلو نهب الإنسان مالاً من جهة عمله وأراد أن يتوب عن هذا الذنب نطالبه أولاً برده إن كان الأمر ميسراً له دون حرج أو تعرض لعقاب. أما لو كان رد هذا المال سيجلب له مشكلات وأزمات فهو مطالب شرعاً بالتخلص منه بإنفاقه في وجه من وجوه الخير حتى يقبل الله توبته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"