عادي
ثوب إخراجي جديد يعتمد على الأداء

عرض «النمرود».. لغة مسرحية يسكنها الجمال

23:18 مساء
قراءة 4 دقائق
عرض مسرحي للشيخ سلطان/مسرحية النمرود/تصوير محمد الطاهر/٣٠/٣/٢٠٢٢
عرض مسرحي للشيخ سلطان/مسرحية النمرود/تصوير محمد الطاهر/٣٠/٣/٢٠٢٢

الشارقة: علاء الدين محمود
شهد مسرح أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، مساء أمس الأول الأربعاء، عرض «النمرود»، وهو من تأليف: صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، رئيس الأكاديمية، وإخراج: البروفيسور بيتر بارلو، المدير التنفيذي للأكاديمية، وجاءت الفعالية بالتزامن مع الاحتفالات بيوم المسرح العالمي، وسط حضور جماهيري كبير.

المسرحية من الكتابات التي تشير إلى الاهتمام الكبير لصاحب السمو حاكم الشارقة، بالتاريخ، والمعرفة الواسعة والعميقة به، والبراعة في توظيفه لقراءة وتحليل الواقع والمستقبل، بالتالي، فإن هناك رؤية فكرية وفلسفية وراء تلك الأعمال المسرحية المختلفة التي قدمها ل«أبو الفنون»، بلغة يسكنها الجمال.

والعمل يتناول بصورة أساسية الطغيان والظلم في العصور الماضية، فيما يشبه التقصي لجذوره التاريخية والعوامل والأسباب التي كوّنته، وبالتالي تصبح تلك السيرة بمثابة دروس تستوجب على البشر التوقف عندها طويلاً من أجل العبرة والاتعاظ حتى تتصالح البشرية مع جوهرها الإنساني، وتنعم بالسلام والتسامح، فالناظر إلى المشهد العالمي المعاصر لا شك في أنه سيلاحظ أن جميع الصراعات والحروب تندلع لذات الأسباب التي كانت في الماضي، كأن البشر لا يستفيدون من أخطائهم ويكررونها بصورة عبثية، بالتالي، فإن العمل هو بمثابة زيارة للتاريخ من أجل قراءة الحاضر بهدف العبرة، ولعل العظة الأساسية في هذا العمل هي تلك المتمثلة في كيفية موت النمرود، حيث قضت عليه حشرة ضئيلة من مخلوقات الله، بالتالي فإن من الحكم الكبيرة في هذا النص أن الإنسان مهما طغى في الأرض فإنه يظل ضعيفاً، كما أن النص يحض، ضمن دلالاته العديدة، على ضرورة الوحدة والتكاتف والتعاون الإنساني في مواجهة الظلم.

حكاية

نص العرض يتحدث عن قصة مؤثرة تتناول جبروت الإنسان، وهي حكاية النمرود بن كنعان حاكم بابل، وملك مملكة آشور، الذي طغى وتجبّر، فبعد أن لقي الناس أشد أشكال وألوان المعاناة والظلم من حكم الضحّاك الذي كان هو الحاكم في ذلك الزمان والذي استبد ولقيت الرعية منه عنتاً كبيراً، فكان أن انطلق صوت وسط الناس: «ثوروا على الضحاك»، وكان ذلك هو الهتاف المدوي، الذي رددته الألسن، فكان أن طلبوا من النمرود أن يخلصهم من طغيان الضحاك، لكنهم كانوا كمن استجار من الرمضاء بالنار، فقد كان النمرود أكثر بأساً وتجبراً، حيث أجبر الناس على عبادته، وعمل على بناء صرح عظيم إمعاناً في الكفر والتجبر وتضخم الذات، ليثبت للناس أنه إله من دون الله تعالى، فكان أن انهدّ ذلك الصرح، غير أن النمرود لم يتعظ من تلك الواقعة، فأعلن عن تحد جديد، ليسلط الله عليه بعوضة دخلت في منخاره، واستقرت في رأسه، تذيقه الويلات، ليطلب من الناس ضربه على رأسه حتى يرتاح من طنين ذلك الكائن الضئيل، فظلوا يضربونه حتى مات.

معالجة وحلول

العرض قُدم من قبل على يد المخرج الفنان التونسي الراحل المنصف السويسي، في نسخة عرضت في مهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، 2008، من إنتاج مسرح الشارقة الوطني، وكذلك هناك النسخة التي قدمت في عدد من الدول حول العالم، مثل إسبانيا والسويد وروسيا في مسرح مكسيم جوركي، احتفاء بالشارقة، كضيف مميز على الدورة ال32 من معرض موسكو الدولي للكتاب عام 2019، وهي النسخة التي شارك فيها كبار النجوم في الأداء التمثيلي بقيادة الفنان القدير أحمد الجسمي، ومحمد جمعة، وعبد الله مسعود، وأحمد عبد الرزاق، وعبد الله بن حيدر، وكوكبة من ألمع الممثلين الإماراتيين، فيما أشرف الفنان محمد العامري على الإدارة الفنية للعمل.

أقنعة

حيث قدم العمل في نسخته السابقة برؤية إخراجية مميزة بالفعل اعتمد في مقارباته على عكس الواقعة التاريخية بما يلامس حاضر اليوم ويقترب منه، برؤى إخراجية وسينوغرافيا تتمثل الماضي في الزمان الذي جرت فيه الأحداث، خاصة في ما يتعلق بالأزياء والفضاء وقطع الديكور المختلفة، وكذلك الاستعانة بالموسيقى والأداء الجسدي الراقص، فضلاً عن فكرة الأقنعة التي ترمز للشخصيات المعينة، فقد عمل المخرج بصورة أساسية على التخفيف من الحوار والاستعاضة عنه بلغة المسرح ومفرداتها المرئية لينطلق العمل نحو الحركة والإشارات والعلامات والدلالات التي تبني النص الدرامي، وكانت معالجة مميزة بالفعل من قبل المنصف السويسي على مستويي الإخراج والسينوغرافيا. ولعل من أكثر الأشياء التي تميز نص العمل أنه جاء وهو يحمل في داخله إرشادات مسرحية بحيث تساعد المخرجين الذين يتصدون له، كما أن لغة الحوار والعمل على العموم، كانت ملهمة ومنتجة للصور المشهدية التي تحتاج إلى مخرج يمتلك الأدوات المناسبة لكي يتعامل مع النص الذي يُمكّن المخرجين من تقديم رؤى ومعالجات ومقاربات وقراءة وتفكيك مختلفة وربما متباينة.

أداء جماعي

وفي عرض أمس الأول الأربعاء، قدم كذلك المخرج رؤية درامية بدورها لافتة، ولعل أكبر الاختلافات عن الأفكار الإخراجية السابقة يكمن في استعانة بيتر بارلو بطلبة أكاديمية الفنون الأدائية ليقوموا ببطولة العمل بصورة جماعية، مع اعتماد أكبر على الأداء الحركي الجسدي الراقص، الأمر الذي برع فيه كثيراً طلبة الأكاديمية الذين يبشرون بمستقبل على مستوى الأداء التمثيلي، فقد أظهروا قدرات كبيرة، فكان العمل يعبر مباشرة عن الحدث وتجسيد الصراع، والوقائع التي يتم الحكي عنها بالقليل من الكلام والكثير من التعبير الجسدي، مع توظيف خلاق لعناصر السينوغرافيا والديكور مع الاستعانة ب«بروجكتر» في الخلفية لتصوير صناعة بعض المشاهد مثل تشييد البرج وسقوطه، ليرتفع النسق إلى ما يشبه الملحمة الدرامية الإغريقية، حيث احتشدت الخشبة بعدد كبير من الممثلين، قاربوا ال25 ممثلاً وممثلة.

إضاءة تداعب وجوه الممثلين

من أوجه الاختلاف بين العرضين أن مقدمة المسرحية كانت عبارة عن أداء جسدي راقص بتعبيرات وجدانية وفكرية، لتبدأ بعدها أحداث المسرحية بمقدمة من قبل رواة باللغتين الإنجليزية والعربية، كما أن توظيف الإضاءة جاء بصورة مختلفة وبسيطة، حيث كانت الخشبة مضاءة بصورة كاملة ولم يلجأ المخرج إلى عملية الإظلام أو البقع الضوئية، حيث كانت الإضاءة مركزة بصورة مباشرة على وجوه الممثلين لتوضيح التعبيرات والحالات النفسية والوجدانية، و لم يلجأ المخرج إلى الأقنعة التي ترمز للشخوص وحالاتهم النفسية بل اعتمد على تعبيرات الوجه بشكل مباشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"