عادي

قرارات سعيّد.. «تونس جديدة»

22:48 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد عزالعرب *

اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد جملة من القرارات، خلال الأشهر القليلة الماضية، بهدف تدشين تونس جديدة تختلف عن تونس القديمة، بما يؤدي في المقام الأخير إلى نظام سياسي ودستوري جديد، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تفكيك المنظومة السياسية القديمة والحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة الصلبة، ومحاربة شبكات الفساد وجماعات المصالح، وتجسير الفجوة بين المركز والأطراف بما يعزز التنمية الأقاليمية.

غير أن هناك جملة من التحديات قد تعرقل الوصول إلى هذا المشروع، ومنها انقسام القوى والأحزاب السياسية ما بين داعم ومعارض للمشروع، وتعقّد الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على القوى المجتمعية وخاصة الفقيرة والمتوسطة، وهو ما يفسر اندلاع الاحتجاجات الفئوية في عدد من الولايات التونسية بصورة تشبه «ثورات البراكين»، فضلاً عن الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي لاتزال تمثل مصدر تهديد للأمن الوطني التونسي.

مسارات متوازية

إن تحليل النسق الفكري للرئيس قيس سعّيد، يشير إلى أن هناك خطوات وقرارات وإجراءات تم اتخاذها، على النحو التالي:

1- تفكيك المنظومة السياسية، التي تشكلت بعد الثورة التونسية في عام 2011: وأدت تلك المنظومة إلى تعزيز نفوذ بعض القوى السياسية، وخاصة حركة النهضة. ولعل ذلك ما دفع الرئيس إلى تعليق عمل البرلمان وتجميد العمل بدستور 2014، وتبعته الدعوة إلى استفتاء على دستور جديد في 25 يوليو(تموز) المقبل، وإجراء انتخابات تشريعية بحلول 17 ديسمبر(كانون الأول) المقبل، مع اعتماد أسلوب حديث يتمثل في تنظيم استشارات إلكترونية عبر تطبيقات رقمية لاستقصاء آراء المواطنين بشكل مباشر حول الإصلاحات السياسية والدستورية التي يرغبون فيها. ولعل ذلك يعكس محاولة الرئيس سعيّد استقطاب الأجيال الشابة لمشروعه باعتبار أنها أكثر الفئات المجتمعية استخداماً للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

2- الحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة الصلبة: يعمل الرئيس سعيّد على تحييد أدوار تلك المؤسسات، وتحديداً الجيش وأجهزة الأمن، بل استمالته لدعم قراراته، تحت شعار «حماية الدولة من التهاوي»، وفي هذا السياق قال خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي بتاريخ 29 مارس (آذار) إن قوات الجيش ومؤسسات الدولة ستتصدى لكل من يريد العبث بالبلاد وجرّها إلى الاقتتال الداخلي، وذلك رداً على دعوة وجهها راشد الغنوشي إلى النواب لعقد جلسة للبرلمان المجمد، بهدف إنهاء إجراءات الرئيس الاستثنائية.

3- محاربة شبكات الفساد: يعطي الرئيس سعيّد أهمية مركزية للتصدي لشبكات الفساد داخل مؤسسات الدولة، ولوبيات المصالح التي تستنزف قدرات الدولة، وهو ما يفسر الحملات التي تخوضها مؤسسة الرئاسة ضد مسؤولين سابقين ورجال أعمال. غير أن هناك توجهاً رئاسياً للقيام بالصلح الجزائي، إذ أعلن الرئيس التونسي في خطاب وجهه إلى التونسيين، يوم 21 مارس(آذار)، بمناسبة الذكرى 66 لعيد الاستقلال، عن مشروع مرسوم رئاسي يقضي بإبرام صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، مقابل استعادة الأموال المنهوبة وتخصيصها لإنجاز مشاريع تنموية لفائدة المناطق الفقيرة.

4- تجسير الفجوة بين المركز والأطراف: هناك إدراك لدى الرئيس سعيد بضرورة الاهتمام بالمدن والمناطق النائية في تونس، لاسيما أن الصوت الانتخابي لمعظم تلك المناطق كان لصالحه في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر(تشرين الأول) 2019 في مواجهة المرشحين الأخرين. كما أن البرنامج الانتخابي له ركز على التنمية الجهوية. علاوة على ذلك، فإن الخطط التنموية تسهم في القضاء على خطر الخلايا النائمة التابعة للتنظيمات الإرهابية، وبصفة خاصة تلك التي تنشط بين سوسة والقيروان، وتتحرك في بعض الأحيان انطلاقاً من ليبيا المجاورة.

عقبات مانعة

غير أن هناك جملة من التحديات التي تعوق ترسيخ تونس الجديدة، وفقاً لرؤية الرئيس سعيد، على النحو التالي:

1- انقسام القوى والأحزاب السياسية: على الرغم من وجود قوى سياسية داعمة لقراراته، إلا أن هناك جبهة معارضة أو مناوئة لهذا المسار بما قد يضعف موقف الرئيس بدرجة ما. وزادت تلك الجبهة بعد تمديد تلك القرارات إلى نهاية العام الجاري حيث تعتبرها بعض القوى والأحزاب أنها ترسخ الشخصانية والابتعاد عن النهج المؤسسي لاسيما بعد حل المجلس الأعلى للقضاء. وبخلاف حركة النهضة، وائتلاف كتلة الكرامة وحزب قلب تونس، انضم إليها الحزب الدستوري الحر، علاوة على بعض النواب المستقلين داخل مجلس النواب المعلق، وكذلك اتحاد الشغل الذي يتمتع بتأثير كبير داخل المجتمع التونسي. وقد انتقد نور الدين الطبوبي رئيس اتحاد الشغل عدم دعوة الرئيس سعيد لحوار وطني بشأن الأزمات التي تواجه البلاد.

2- تعقّد الأزمة الاقتصادية: تواجه البلاد تعثراً اقتصادياً مستداماً منذ 11 عاماً، وهو ما يعكسه عجز ميزانية الدولة، وتزايد معدلات البطالة وارتفاع نسبة التضخم، يضاف إلى ذلك تداعيات أزمة جائحة كورونا وما نتج عنها من تراجع إيرادات الدولة وخاصة في قطاع السياحة الذي يمثل قطاعاً رئيسياً في إمداد الدولة بالإيرادات اللازمة لحل المشكلات المستعصية.

3- اندلاع الاحتجاجات الشعبية والفئوية: يشهد عدد من الولايات التونسية في الوقت الراهن تصاعداً في حركة الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن تفسيرها من خلال بعض العوامل ومن أبرزها استمرار التهميش الاقتصادي والاجتماعي لبعض الولايات وعدم تنفيذ المشروعات التنموية بها، وتقصير الحكومات السابقة في حل هذه المشكلات. كما أن هناك احتجاجات قد تندلع خلال الفترة المقبلة على خلفية تفاقم أسعار السلع الغذائية بعد تفاقم الحرب الروسية الأوكرانية.

4- تهديدات الجماعات والتنظيمات الإرهابية: يظل الإرهاب أحد مصادر التهديد الرئيسية التي تواجه تونس الجديدة. ولعل ما يعكس ذلك التصريح الصادر عن المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، في مؤتمر صحفي، يوم 26 مارس(آذار)، أنه تمت الإطاحة ب73 خلية إرهابية عن طريق الأمن الوطني و75 عن طريق الحرس الوطني، أي تفكيك السلطات الأمنية التونسية 148 خلية إرهابية في عدة مدن تونسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية التونسية تقاتل منذ سنوات عناصر متطرفة تابعة لداعش والقاعدة، وبصفة خاصة في ولايات القصرين (وسط غرب) وجندوبة والكاف (شمال غرب) الحدودية مع الجزائر، ولديهم خلايا نائمة داخل المدن.

خلاصة القول إن هناك حراكاً متصاعداً داخل تونس، ما بين داعم لمشروع الرئيس قيس سعيد، وجبهة أخرى مناوئة له، مع الأخذ في الاعتبار أن ثمة دعماً للرئيس من مؤسسات الحكم الصلبة، المتمثلة في الجيش والأمن.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"