صراع على مستقبل العراق

00:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

أيام صعبة عاشها العراقيون وهم يحاولون تلمّس مشروعهم المستقبلي للعراق الذي يريدونه بعد أن فشلت الأحزاب والتحالفات السياسية المتنافسة في انتخاب رئيس جديد، مرتين متتاليتين يومي السبت والأربعاء الفائتين، وسط فرز سياسي غير مسبوق يعكس هوية وطبيعة الصراع الدائر حول المناصب السياسية الكبرى: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

فقد ظهر واضحاً وجود ثلاث كتل سياسية متنافسة على المستقبل العراقي، الأولى هي ما يعرف ب«كتلة إنقاذ وطن» التي يقودها مقتدى الصدر، وتضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، و«تحالف السيادة» الذي يجمع كتلة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، ورجل الأعمال خميس الخنجر، والثانية هي «الإطار التنسيقي» المتحالف مع الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة «عزم». 

أما الكتلة الثالثة فهي كتلة النواب المستقلين التي تضم ما يزيد قليلاً على أربعين نائباً، وهؤلاء أفشلوا جلستي البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية.

الكتلة الأولى يمكن وصفها بأنها كتلة «العراق الجديد» أو كتلة التغيير، وبالتحديد مجموعة الصدريين وزعيمهم مقتدى الصدر، الرافض بشدة، للتحالف مع الإطار التنسيقي. ففي تغريدة له خاطب الصدر النواب المستقلين لحشدهم لحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وفي هذه التغريدة قال: «فلتقف الموالاة والمعارضة يداً واحدة لبناء وطن حر مستقل ذي هيبة وسيادة وكرامة بلا احتلال ولا تطبيع ولا إرهاب»، رافضاً العودة إلى خيار «حكومة المحاصصة».

أما تحالف الإطار التنسيقي فيحمل دعوة الاستمرارية في حكم «المحاصصة» والحكومة الموسعة، ويسعى إلى استعادة الصدر للكتلة الشيعية، مدافعاً عن حق هذه الكتلة باعتبارها «الكتلة الأكبر» في حكم العراق، وهذا التحالف يرفض خيار الحكومة الوطنية غير الطائفية التي تجمع كتلاً وأحزاباً وطنية سنية وشيعية وكردية على أساس برنامج سياسي، وليس على أساس انتماء طائفي أو عرقي، لذلك يُطلقون على مسعى الصدر لتشكيل حكومة غير طائفية «بدعة سياسية» غير مسبوقة في سياق العملية السياسية. وقد أشار إلى ذلك صراحة نوري المالكي زعيم كتلة «دولة القانون» في تعليقه على إعلان تحالف «إنقاذ وطن» بقوله: «المتعارف عليه كان رئاسة الجمهورية للكرد، ورئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الوزراء للشيعة، وأن مرشح رئاسة الوزراء ترشحه الكتلة النيابية الأكثر عدداً من المكوّن المخصص له هذا المنصب، إلا أن هذه الدورة خرجت عن المألوف، حيث دخل شركاؤنا (يقصد التيار الصدري) في تحالفات مع الكرد والسنة».

أما تحالف المستقلين، فعلى الرغم من تعدد وتباين مواقف أعضائه، فإنه يطرح رؤية ثالثة، على الرغم من أن عدداً منهم حضر إلى البرلمان للمشاركة في انتخاب الرئيس، إلا أن عدداً آخر انضم إلى «الإطار التنسيقي» في المقاطعة، مع العلم أن أغلبية النواب المستقلين لا يقبلون بالمطلق، رؤية الصدر على الرغم أنهم أقرب إليه من «الإطار التنسيقي»، فهم ضد حكم «المحاصصة» وضد الفساد ومع الإصلاح والتغيير، لكنهم لا يريدون أن يكونوا أتباعاً لأي من الكتلتين الأخريين ويريدون أن يكونوا «شركاء في الحكم». فقد رفض أحد النواب المستقلين إغراءه بالمال والمناصب من جانب أي من الكتلتين الأخريين، وقال: «هدفنا ليس المناصب بقدر ما هو المشاركة في القرار السياسي»، وزاد: «ما نريده أن يكون لنا دور في رسم السياسة العامة للدولة، بما في ذلك طريقة اختيار رئيس الحكومة».

نتائج تصويت البرلمان، الأربعاء، حسمت اتجاه اصطفاف المستقلين بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي أصبح العراق أمام خيارات صعبة، وهي «حل البرلمان»، وإجراء انتخابات جديدة، أو الفراغ الدستوري، والعودة مجدداً إلى حالة الاضطراب وعدم اليقين في المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"