ثقافات مختلفة في «إكسبو دبي»

02:04 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

بالإضافة إلى كونه حدثاً اقتصادياً، فإن «إكسبو دبي» الذي أسدل الستار على فعالياته بعد شهور ستة، كان أيضاً حدثاً ثقافياً، حيث أتاح لزواره من داخل الدولة وخارجها التعرف إلى ثقافات العالم المختلفة، فكل قارات الأرض كانت ممثلة فيه، عبر البلدان الواقعة فيها، سواء أكانت في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا أو القارتين الأمريكيتين وغيرها.

إنها فرصة نادرة للقاء الثقافات والحضارات المختلفة في مكان واحد، لتقدّم كل ثقافة نفسها للآخر، وإن كان مختلفاً في التفاصيل عنها، لأننا سنكتشف مقدار ما يجمع بين هذه الثقافات ويوحدها. إنه بالضبط ما يطلق عليه: التنوع والوحدة، حيث إن مقادير التنوع والتعدد والاختلاف في العالم الذي تجاورت ثقافاته خلال شهور «إكسبو دبي» الستة، اجتمعت في مكان واحد، لترينا أن هذا العالم هو في نهاية المطاف واحد ومتداخل، رغم ما هو عليه من تنوع.

التنوع الثقافي الذي نتحدث عنه والذي وجد تجلياته في «إكسبو دبي» لا يكمن في الجوهر، ذلك أن الجوهر الإنساني للثقافات والحضارات جوهر واحد، كونها تنطلق من قيم عليا مشتركة، وإنما يكمن في التفاصيل، تلك التي أتاح لنا «إكسبو دبي» التعرف إلى الكثير من أوجهها التي لمسها زائر المعرض وهو يتنقل من جناح إلى جناح، بل سنكتشف أن هذا التنوع موجود داخل الثقافة الواحدة أيضاً، فلو أخذنا أجنحة الدول العربية مثالاً، للاحظنا أيضاّ هذا التنوع الذي يثري هذه الثقافة ويعمق محتواها، بتضافر عطاء روافدها المختلفة. وإذا كان الأمر يصحّ على الثقافة الواحدة، فلنا أن نتخيل كيف هي الحال حين يدور الحديث عن ثقافات الأمم المختلفة، والتي لكل منها خصوصيات في التطور الثقافي والحضاري، فضلاً عما يتركه تنوع البيئات الطبيعية والمجتمعية التي تنشأ وتتطور فيها كل ثقافة من أثر في تشكيل سماتها، التي من الطبيعي أن تختلف، ولو جزئياً، عن نظيراتها في الثقافات الأخرى.

تجاور ثقافات العالم، من خلال أجنحة الدولة المختلفة المشاركة في «إكسبو»، هو تعبير عن التجاور الأشمل والأوسع لهذه الثقافات على مستوى كوكبنا، وهو تجاور يؤكد حاجة البشر للتواصل والتفاعل بين ثقافاتهم المختلفة، وتغليب قيم التعايش والتسامح بين الأمم المتعددة، وجعل ذلك منهجاً في مواجهة مشاعر الكراهية والبغضاء والمواجهة التي يعمل على تسعيرها المستفيدون من مناخات الصدام والحروب والمواجهة والفتن، إن على مستوى كل أمة على حدة، أو على المستوى العالمي، وهي المناخات التي تعيق تقدّم الحضارة الإنسانية، فيما المطلوب هو تعايش مكوّناتها وتفاعلها، وهي الرسالة التي أوصلها «إكسبو دبي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"