فلسطين في زمن الحرب والسلم

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب

السؤال الذى يطرح على طاولة السياسة الفلسطينية هو، ما الخيارات الفلسطينية في زمن الحرب وزمن السلم؟ وأي خيار يمكن أن يحقق قيام الدولة الفلسطينية ؟ 

 القضية الفلسطينية، كما هو معلوم ليست قضية محلية، وليست مجرد نزاع ثنائي، بل هي قضية ممتدة مركبة تتداخل فيها المكونات الإقليمية والدولية، ولا يمكن فصل هذه المكونات والمتغيرات وتداعياتها على القرار السياسي الفلسطيني. فلا يكفي الموقف المعلن الذي لا يعبّر عن حقيقة التحولات السياسية التي تشهدها البيئة السياسية الفلسطينية، وهي بيئة تتسم بالتعقيد والتشابك. فلا يمكن تجاهل تأثير المتغير الإسرائيلي وهو متغير رئيسي، ولا المتغير العربي وهو أيضاً متغير رئيسي، ولا الدولي أيضاً. 

 والأساس في المحصلة هو المتغير الفلسطيني ذاته، وخصوصاً حالة الانقسام الفلسطيني وتجذرها وتحول هذا المتغير إلى متغير تابع. فالمقاربات والخيارات تفرضها بيئة القضية الفلسطينية السياسية ومحدداتها. وأحد أهم المتغيرات والتحولات في العلاقات العربية الإسرائيلية، هو إقامة علاقات دبلوماسية مع أكثر من دولة عربية. وهذا يعني تراجع خيار الحرب لحسم الصراع، إذ لا يمكن تصور خيار الحرب من دون الدعم العربي، ذلك أن كل حروب فلسطين كانت حروباً عربية. 

 وهذا يفرض على الفلسطينيين البحث في كيفية تفعيل خيار السلام العربي والاستفادة منه في الضغط على إسرائيل للقبول بالدولة الفلسطينية وإنهاء الصراع. فمن الخطأ انتزاع المكون العربي للقضية الفلسطينية، وهو مكون يشكل عمقاً للقضية الفلسطينية في كل المراحل. لكن السؤال هو: كيف نفعّل هذا العمق في زمن السلام؟

 وفي ضوء التطورات الدولية الراهنة وأخطرها الحرب الأوكرانية وما قد يترتب عليها من تداعيات على بنية النظام الدولي، فإن القضية الفلسطينية لن تكون بعيدة عن هذه التداعيات ونتائجها، رغم وقوع الحرب في قلب القارة الأوروبية. ومن تداعياتها تراجع القضية الفلسطينية كقضية أولوية، إذ لم يعد العالم منشغلاً أو مهتماً بما يحدث على الأراضي الفلسطينية. فأوكرانيا في الحسابات الأوروبية والأمريكية دولة أوروبية، وهذا ما يفسر لنا ردود الفعل السريعة من فرض تهديدات وعقوبات على روسيا، وتزويد أوكرانيا بالسلاح واستصدار قرار أممي بالتنديد بالحرب ومطالبة روسيا بوقف هجومها والانسحاب من الأراضى ألأوكرانية، بل واحتضان كل المهاجرين الأوكرانيين.

 الفارق هنا أن أوكرانيا أولوية أوروبية بحكم وضعها الجيوسياسي، بينما فلسطين لا تعتبر الآن أولوية، بل هي مجرد قضية مساعدات إنسانية للمحافظة على بقاء السلطة. وعلى مدار عمر القضية الفلسطينية لم تفرض عقوبات على إسرائيل بسبب احتلالها، بل وظف «الفيتو» الأمريكي لحماية إسرائيل من أية عقوبات يمكن أن تفرضها الأمم المتحدة. وعلى الرغم من تعدد القرارات الدولية بشأن فلسطين إلا أنها بقيت مجرد توصيات. ولم تمارس هذه الدول أي ضغط على إسرائيل بسبب سياساتها الاستيطانية، رغم مسؤولية أوروبا عن قيام إسرائيل، وبالتالي وجود القضية الفلسطينية.

 ومن ناحية أخرى فإن التنافس الصيني الأمريكي، والروسي الأمريكي ودخول العلاقات الدولية في مرحلة الحرب الباردة، تفرض على الفلسطينيين إعادة تقييم خياراتهم. وليس معنى ذلك إسقاط الخيار الدولي، بل تأكيد أهمية الربط بين القضية الفلسطينية والقضايا الأخرى مثل أوكرانيا، والعمل أولاً على الخروج من سيناريو الأمر الواقع الذي تفضله السلطة وبعض الفصائل الفلسطينية، والذهاب لإحياء حل الدولتين من خلال إجراء الانتخابات الفلسطينية والمطالبة بدور أوروبي وأمريكي لإجرائها، وتفعيل وضع الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، والمطالبة بممارسة ضغط على إسرائيل للالتزام بقيام الدولة الفلسطينية.

 وتبقى الحاجة لوضع استراتجية فلسطينية شامله للتعامل مع هذه المتغيرات في زمن السلام والحرب بما يجعل القضية الفلسطينية أحد مكوناتها الأساسية، واستعادة مكانة القضية كقضية عدالة دولية وربطها بالسياسات الداخلية للدول ذاتها، وهذا يتوقف على تفعيل المتغير الفلسطيني والعربي، وإنهاء الانقسام وقيام سلطة فلسطينية شرعية من خلال الانتخابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"