عادي
ذكرى غيابه الرابعة تصادف اليوم

أحمد بن محمد القاسمي.. الحاضر في الثقافة الإماراتية

23:25 مساء
قراءة 4 دقائق
الشيخ أحمد بن محمد القاسمي

كتب: يوسف أبولوز
تصادف اليوم، الذكرى الرابعة لغياب الشيخ أحمد بن محمد بن سلطان القاسمي.. الغياب الذي يتحوّل حضوراً مكثفاً في ذاكرة مثقفي وكتّاب وفنّاني الإمارات وزملائهم العرب المقيمين في الدولة عرفوا الشيخ أحمد عن قرب، وعملوا إلى جانبه، واقتربوا من المعنى النبيل في شخصيته الإدارية القيادية المعتمدة في جوهرها على العمل الجماعي، والروح الإنسانية النظيفة.

رجل من جيل الرواد المؤسسين، وطنيته لا تحتاج إلى من يؤشر على أصالتها ونبلها. كان قلبه في عينيه، وفي لغته، وفي مباشريته اليومية مع صفّ الناس الذين اعتمد على مهنيتهم ورفعة دواخلهم النقيّة.

ما من مادة أو شهادة قرأتها لكاتب أو مسرحي أو تشكيلي أو مخرج أو مؤلف من الوسط الإماراتي، والوسط العربي إلا وحملت طبيعة الشيخ أحمد النابضة بالحيوية والإشراق الإنساني والصداقة والتواضع المؤثر في كل من اقترب منه، أو عمل في فريقه ومجاله الريادي التأسيسي.

كل من سألته من المسرحيين على وجه خاص عن الشيخ أحمد كان يرجع مبادرات ترسيخ بنية أساسية لثقافة المسرح إلى الشيخ أحمد، وكان يستلهم مبادراته وأفكاره ومسار عمله من فكر وتوجيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

ترجم الشيخ أحمد رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة إلى عمل إداري منظم على الأرض ومع مجموعة من المخلصين للثقافة ولمشروع الشارقة الثقافي الذي وضع خريطة طريق صاحب السمو حاكم الشارقة ليس بالتوجيه والمتابعة فقط، بل، وبالمشاركة والشراكة أيضاً.. المشاركة بمشروع الشارقة الثقافي بالكتابة للمسرح والبحث في التاريخ والكتابة في الأدب، ثم الشراكة في مجد نتائج العمل الثقافي وأوسمته التي استحقت صدر الشارقة.

في تلك الأيام والليالي من ثمانينات القرن العشرين، وفي قلب تلك البيئة التي كانت تحتضن مشروع الشارقة بكل مسؤولية وجدّية كان الشيخ أحمد يفكر ويقترح ويعمل خارج مكتبه أكثر مما كان يعمل داخل المكتب، هناك دائماً في ضوء النهار وفي الهواء الطلق الذي يليق بالثقافة والمثقفين، إذ كانت شخصيته ذات تكوين عملي أصلاً، وكان ميله إلى الثقافة طبيعياً وفطرياً من داخله ومن داخل تركيبته العملية تلك، فهو أصلاً درس إدارة الأعمال في جامعة بريطانية، وتقول سيرته إنه عمل في مجال التجارة وإدارة الأعمال، لكن فطرته وحقيقة طبيعته الوجدانية والفكرية دفعتا به تلقائياً إلى - العمل الثقافي، ولذلك، اندفع الشيخ أحمد بكل حيوية شبابه إلى تأسيس عشرات الجمعيات، والكيانات الفنية والثقافية في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وفي إطار مجال شبابي أيضاً، حيث كان فريق عمله من الشباب دائماً - الممتلئين - بالحلم والطموح واسم الوطن.. الاسم الذي سيعلو بالثقافة. سيكون خيار الشيخ أحمد بتوجّهه إلى الثقافة والفنون مكسباً كبيراً لهذين القطاعين اللذين سيكبران مع مشروع الشارقة - الفكري والإبداعي والنشري، وسيكون معرض الكتاب العربي أوّل معرض كان الشيخ أحمد وراء تنظيمه نواة سريعة النمو لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، المعرض الأكبر اليوم في العالم على مستوى بيع الكتب والمبادرات المولودة منه مثل صناعة الكتاب والنشر.

في العام 1981 سيعمل الشيخ أحمد على تنظيم أوّل معرض للخط والزخرفة في الشارقة، وفي عام 1980 عمل الشيخ أحمد على تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ومن بين أفكاره العملية فكرة إنشاء اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وجمعية المصوّرين، ونادي الشطرنج، وجمعية الاجتماعيين، وغيرها من أطر ومكوّنات فنية وثقافية واجتماعية هي اليوم، وبحساب - التراكم والتقييم، واجهات ثقافية ومنصّات - عمل إبداعي وفني إماراتي بكل محلّيته وأصالته، وهي أيضاً هذه الأطر والمكوّنات التي كان للشيخ أحمد نبض فيها قد أصبحت عربية العُمْق، وعالمية البُعْد.

في عام 1989، وتحديداً في فبراير/ شباط منه سيبدأ الشيخ أحمد وضع اللبنات - الأولى في تأسيس - تلفزيون - الشارقة، المؤسسة الإعلامية الأكثر استقطاباً للعرب وللأسرة العربية، والثقافة العربية اليوم، وبالطبع، تحفظ الذاكرة - ذلك الزمن الإداري الناجح الذي تولّاه الشيخ أحمد في دائرة الثقافة في الشارقة، وكانت تسمى آنذاك في أوائل الثمانينات: «دائرة الثقافة والإرشاد»، واليوم، - يحضر اسم الدائرة، ونشاطها، وتحضر شخصيتها الثقافية في كل محافل العمل الثقافي المحلي والإقليمي والعربي والعالمي.

الأطر الثقافية من جمعيات واتحادات ودوائر كان للشيخ أحمد نبض فيها قبل عقود من الزمان هي اليوم علامات وعناوين القطاع الثقافي الإماراتي ببعديه وعمقيه العربي والعالمي، وهي اليوم هوية ومعنى الثقافة في الإمارات والخليج العربي.

الشيخ أحمد بن محمد بن سلطان القاسمي «أيقونة» ثقافية بالنسبة لفناني المسرح والتشكيل في الإمارات. كان صديقهم وَمُعَبِّد طريقهم التي نرى اليوم إلى أين وصلوا عبر هذه الطريق، وقد عمل لهم كل ذلك بطيبة قلب وفرح عميق لكل - ناجح بينهم.

امتدت صداقة الشيخ أحمد بمثقفي وكتّاب وفناني الإمارات وأقرانهم العرب المقيمين طويلاً، وأثمرت هذه الصداقة عن حالة إنسانية صافية في موازاة الحالة الثقافية المحلية التي كان لها أن تتميّز عربياً - تبعاً لميزة وأخلاقيات الرجل الذي نَسَجَ خيوط هذه الحالة الاستثنائية وهو الشيخ أحمد شاهد العيان الرسمي والشعبي والإنساني والحميمي الذي كان يعمل في الثقافة والفنون لأنه يحب إبداع الإنسان في لحظة صدقه البشري، ولأنه أيضاً المُصْغي بقلبه للنداء الثقافي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وقد لبّى النداء بوطنية وأمانة جعلت منه رمزاً مستعاداً دائماً عند التأريخ للثقافة في الإمارات، وجعلت منه أيضاً - حاضراً جميلاً في الغياب.

أيقونة ثقافية

الشيخ أحمد بن محمد بن سلطان القاسمي «أيقونة» ثقافية بالنسبة لفناني المسرح والتشكيل في الإمارات. كان صديقهم وَمُعَبِّد طريقهم التي نرى اليوم إلى أين وصلوا عبر هذه الطريق، وقد عمل لهم كل ذلك بطيبة قلب وفرح عميق لكل - ناجح بينهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"