عادي

عذب الكلام

23:29 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من جماليات البلاغة: الكنايةُ، لفظٌ أطلقَ وأريدَ به لازمُ معناهُ، مع جوازِ إرادة ذلك المعنَى؛ ومنه قولُ أبي الطيّب، في وقيعة سيف الدولة ببني كلاب:

فَمَسّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَريرٌ

وَصَبّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرَابُ

وَمَنْ في كَفّه مِنْهُمْ قَنَاةٌ

كمَنْ في كَفّه منهُمْ خِضابُ

كنَّى بكون بُسطِهمْ حَريراً عنْ سيادتِهم وعزّتهم، وبكون بُسطهم تُراباً عنْ حاجتِهم وذُلّهِم.

وقولُ المَعرّي:

سليلُ النّارِ دَقَّ ورَقَّ حتّى

كأنَّ أباهُ أورثَهُ السِّلالا

كنّى بهذا عنِ السَّيْفِ الذي هو وليد النّار، وقدْ رقَّ جِسمُهُ، حتّى إنّه ليشبهُ ولَداً مَسلولاً، ورثَ السّلَّ عنْ أبيه.

دُرر النّظم والنّثر

ألا هلْ فؤادي

توبة الحميري (من الطويل)

ألَا هلْ فؤادِي منْ صَبا الْيَوْمَ صافحُ

وهَلْ ما وَأتْ لَيْلى بهِ لكَ ناجِحُ

وهلْ في غَدٍ إنْ كانَ في الْيَوْمِ عِلةٌ

سَراحٌ لما تُلوِي النّفوسُ الشَّحائِحُ

ولَوْ أنَّ لَيْلى الأخيليّةَ سَلَّمَتْ

عَليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصَفائحُ

لَسَلّمْتُ تَسليمَ البَشاشةِ أو زَقا

إلَيْها صَدىً مِنْ جانبِ الْقَبْرِ صائحُ

ولَوْ أنَّ لَيْلى في السَّماءِ لأصْعَدَتْ

بِطَرْفي إلى لَيْلى الْعيونُ الكواشحُ

وأُغَبطُ من لَيْلى بما لا أنالُهُ

ألا كُلُّ ما قَرَّتْ به الْعَيْنُ صالحُ

فهلْ تبكينْ لَيْلى لئنِ متُّ قبلَها

وقامَ على قَبْري النّساءُ الصَّوائحُ

من أسرار العربية

كَلماتٌ زيدت فيها أحْرفٌ، لتأخذَ مَعانيَ أخرى: نِبْرَاس: المِصباح؛ مشتقّة من البِرْسِ و«البُرس» (بضمّ الباء) الذي هو القُطْن، زيدت النّونُ، لأَنّ الفَتيلةَ في الأَغلب تكونُ من قُطْن؛ قال أحد الشعراء:

تَنفي اللُّغام على هاماتِها فزعاً

كالبِرْسِ طَيَّرّهُ ضَرْبُ الكرابيلِ

عُرقوب: عَقَبٌ مُوَتَّرٌ خلْف الكعبين. وعَرْقَبت الدّابة: قطعت عُرقوبَها. زيدت فيه الرّاء، وإنّما الأصل العَقِب للإنسان وَحْدَه، ثمّ جُعل العُرْقوب له ولِغيره. ويُستعار العُرقوب، فيقال لمنحنى من الوادي فيه التواء شديدٌ: عُرقوب، قال الشاعر:

ومَخُوفٍ من المناهل وحْشٍ

ذي عَراقيبَ آجِنٍ مِدفانِ

خِضْرِم، وهو الرجُل الكثير العطيَّة. وكلُّ كثيرٍ خِضْرِمٌ. وماء مُخَضْرَمٌ وخُضارِمٌ: كثير؛ وشاعر مُخَضْرَمٌ: أَدرك الجاهلية والإسلام مثل لَبيدٍ وغيره؛ قال الشاعر:

إلى ابنِ حَصانٍ، لم تُخَضْرَمْ جُدودُه

كَثيرِ الثَّنا والخِيمِ والفَرْعِ والأَصْلِ

الراء فيه زائدة، والأصل خضم. والخِضَمُّ: السيّدُ الحَمُولُ الجَوادُ المِعْطاءُ. والخِضَمُّ الَبَحْر لكثرة مائهِ وخَيْرِه.

هفوة وتصويب

كثُر يقولون: «لاذَ بالْفَرار» (بفتح الفاء)، وهي خطأ، والصّوابُ: الْفِرار (بِكسرها). ويُقصدُ بها الهُروب. أما الفَرار، فَتَعْني الْكَشْف عَن أسنانِ الدّابةِ، لمعرفةِ كمْ بلغت منَ السّنين. وكلّ مصدر من المصادر الآتية: «المَفَرّ»، و«المَفِرّ»، يعني الهروبَ أيضاً.

ويقولون: «نَسائمُ الصّباح الجميلةُ»، وهي خطأ، والصَّوابُ: «نَسَمات». والنَّسِيمُ: الريح الطيبة. يقال: نسَمت الريحُ نسيماً ونَسَماناً. ونَسائم على وزن فَعائل، ومُفردة نَسيمة على وزن فَعيلة، مثل صَحيفة وطريقة ووديعة، وجمعها صَحائف وطَرائق وودائع؛ أما جمع نَسْمة فهو نَسَمٌ أو نَسَمات. وفي «لسان العرب»: نَسيمُ الرّيح: أوّلُها حِينَ تُقْبل بلينٍ قبل أن تَشْتدّ. والنَّسَمُ والنَّسَمةُ: نفَسُ الروح، والجمع نَسَمٌ ونَسمات؛ قال الأعشى:

بأَعْظَمَ منه تُقىً في الحِساب

إِذا النَّسَماتُ نَقَضْنَ الغُبارا

من حكم العرب

أُصادِقُ نَفْسَ المَرْءِ مِنْ قَبلِ جِسْمِهِ

وَأَعرِفُها في فِعْلِهِ وَالتَكَلُّمِ

وَأَحلُمُ عَنْ خِلّي وَأَعلَمُ أَنَّهُ

مَتى أَجزِهِ حِلماً عَلى الجَهلِ يَندَمِ

البيتانِ للمتنبي يقولُ فيهما إنّ ما يُهمّه مِنْ الآخرينَ، كَيفَ يفكّرونَ ويتَصَرَّفون، ولا تَعْنيهِ أشكالُهم، ويتعاملُ معهم بِنَفْسٍ طيّبةٍ، ويَصفحُ عنِ الإساءاتِ؛ وهذا كثيراً ما جعل المُسيء يندمُ على إساءته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"