قمم بروكسل وسلاسل اليورانيوم

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

إن ما يحدث اليوم في أوكرانيا، ليس فقط تفكك علاقات، أو انحسار هيمنة، أو سقوط أيديولوجيا؛ بل هو انقلاب في الرؤى والمفاهيم، وكل ما أفرزته الحضارة المادية من مذاهب اقتصادية وسياسية؛ فالعالم قد بلغ تلك النقطة الفاصلة التي تتجاوز المكان والزمان؛ لتكتب صفحة جديدة في تاريخ البشر.

 هذه الأحداث العاصفة سوف تزلزل الأرض تحت أقدام البشرية، كما حدث من قبل في الحروب العالمية الفاصلة؛ حيث تلوح، في هذه الفترة الثقيلة الوطأة، الحادة التأثير، نُذر الحرب العالمية الثالثة، التي تبسط أجنحتها السوداء في أجواء محمومة؛ حيث كل شيء قابل للاشتعال في لهيب الأحداث المحيطة، والمسارات المتعارضة، والاتجاهات المتضادة، في هذا المنعطف الحاسم في مجرى الزمان، ومحاولة السيطرة على عقل العلم والعالم، واكتشافات الفاعلية الإشعاعية للفيزياء الذرية وسلاح النيوترون واليورانيوم.

 وسط هذه الأجواء المشحونة بنذر الحرب اتُخذت عدة قرارات في قمم بروكسل، قمة الاتحاد الأوروبي وقمة حلف الناتو وقمة مجموعة الدول السبع، وقد ركزت تلك القرارات على تشديد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، ما عدا قطع واردات أوروبا من سلاسل اليورانيوم الروسية، هذه المادة التي تنشأ عن قذف ذرات اليورانيوم بالنيوترون عناصر مشعة، لحدوث الانشطار الذري لتنتج القنبلة الهيدروجينية.

 هذه المادة الخطرة تجنب الرؤساء المشاركين طرحها على جدول اجتماعاتهم، نظراً لخطورتها. ومع ذلك فقد دعا الرئيس الفرنسي ماكرون إلى مقاطعة الاتحاد الأوروبي لواردات الغاز والنفط الروسية في اجتماعه الذي عقده في قصر فرساي، مع زعماء أوروبيين. وأصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أوائل شهر مارس/ آذار الماضي، أمراً تنفيذياً بوقف واردات النفط والغاز الروسية، وأعلنت المملكة المتحدة إنهاء وارداتها من الطاقة الروسية بحلول نهاية عام 2022.

كما فرضت الحكومة البريطانية حزمة جديدة من العقوبات، تستهدف أكثر من 59 شركة، وشخصية روسية، وستّ شركات وشخصيات بيلاروسية. غير أن بريطانيا والولايات المتحدة لا تتأثران من قطع إمدادات الغاز والنفط الروسية، إلا أن دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا إلى جانب دول أوروبية أخرى سوف تجد نفسها وسط أزمة حقيقية في حال تم قطع الغاز والنفط من روسيا بشكل كامل.

 وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصدر قراراً يوجب على الدول المستهلكة للطاقة الروسية، من غير الدول الحليفة، أن تدفع الثمن بالروبل الروسي، ما سيؤدي إلى تقوية العملة الروسية، مقابل الدفع بالدولار، وهو ما أربك حسابات هذه الدول، وجعلها بين نارين: الاصطفاف إلى جانب الحلفاء الغربيين والمضي قدماً في فرض الحصار الاقتصادي والعقوبات على روسيا، وحاجتها المُلحة لمصادر الطاقة الروسية، خاصة في حال عدم توفر بديل، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، ما ضاعف التكاليف على تلك الدول؛ لذا فهي مضطرة، إلى أجل غير محدد في المستقبل، رغماً عنها للاعتماد على الطاقة الأحفورية الروسية، كما أنها مضطرة للاعتماد على سلاسل التوريد الروسية من طاقة اليورانيوم المخصب، لاستخدامه في المفاعلات النووية في دول أوروبية عديدة؛ حيث إن الولايات المتحدة مضطرة أيضاً إلى الاستمرار في توريد هذه الطاقة.

 وتوفر روسيا نحو 35% من اليورانيوم المخصب عالمياً، وفقاً للرابطة النووية العالمية (WNA)، وهي تمتلك أكبر قدرة تخصيب في العالم، كما أن عدداً كبيراً من المفاعلات النووية في أوروبا من تصميم روسي. ووفقاً لWNA، فهناك مفاعلات روسية التصميم في بلغاريا، وفنلندا، والمجر، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك. وتسهم هذه المفاعلات بشكل كبير في إمداد تلك البلدان بالكهرباء. وتعتمد المحطات النووية الأوروبية المصممة روسياً بشكل كبير أو كلياً على الشركات الروسية لتصنيع الوقود، إضافة إلى اعتمادها في صيانة تلك المفاعلات، وقطع غيارها على الشريك الروسي.

 وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي قام بحظر واردات النفط والغاز من روسيا، لكنه لم يأتِ على ذكر الواردات الروسية من اليورانيوم المخصب إلى محطات الطاقة النووية. 

 ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، فقد شكلت روسيا 16% من واردات الولايات المتحدة من اليورانيوم المخصب العام الماضي، وإذا توقفت هذه الواردات، فإن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في إيجاد البدائل، في ظل ندرة خامات اليورانيوم في أراضيها، وندرتها بشكل عام في دول العالم، ويبدو أن العقوبات الغربية على روسيا سوف ترتد على دول أوروبا نفسها بشكل أو بآخر، لأنها لا تملك موارد كافية من الطاقة كالتي تملكها روسيا، كما أن البديل الآخر، في حال توفره، سوف يضاعف الكُلفة على تلك الدول، إضافة إلى تفرد روسيا بإنتاج أنواع أخرى من الطاقة كاليورانيوم المخصب والطاقة الأحفورية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"