لولا فُسحة الأمل

01:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.يوسف الحسن

دُعيت منذ شهور قليلة، للانضمام إلى عضوية مجموعة من الشخصيات الفكرية والسياسية والأكاديمية العربية، لإطلاق مبادرة أهلية مستقلة غير حكومية وغير ربحية، لنشر ثقافة اللاَّعنف، ونزع فتيل الحروب والنزاعات الأهلية العربية، والتي تهدد الدولة الوطنية، والأمن القومي العربي المشترك، وتشجع القوى الإقليمية والدولية على التدخل في الشؤون العربية.
رحبَّتُ بهذه الدعوة الطيبة، ورأيت فيها مبادرة أمل، في تشكيل وبناء «دبلوماسية شعبية»، مكمّلة للدبلوماسية الرسمية، الساعية، بنوايا صادقة، لبناء الثقة المتبادلة، وحل النزاعات بالطرق السلمية، واستخدام الآليات الخاصة ب«الدبلوماسية الوقائية». والحوار والتوفيق والوساطة، للخروج من هذا المأزق الدامي والمرير، الذي تمر به مجتمعات عربية غير قليلة.
إن قضية السلم العربي، في هذه الأزمنة، هي قضية محورية لازمة، لوقف الانهيار، وشلالات الدم، وتعزيز التنمية والتكامل والمنعة المجتمعية، ونبذ التطرف، والعصبيات الضيقة.. وفتح الطريق السالك والمنتج إلى المستقبل.
تدرك هذه المجموعة من المهمومين بالمعاناة العربية، شعوباً وحكومات، أن استمرار النزاعات العربية، والحروب والفتن هنا وهناك، هو الطريق المؤدي للاندثار والانكسار، وهدر الموارد، وانتهاك الحق الطبيعي والأخلاقي للإنسان في الحياة والكرامة، باعتبار أن كرامة الإنسان، هي قيمة أسبق من كل انتماء أو هُوية حضارية، وهي حصانة أولية للإنسان ثابتة له بوصفه إنساناً، كرَّمه خالقه، وجعله خليفة في أرضه.
كما تدرك هذه المجموعة من الشخصيات، بخبرتها الثرية في العمل الدبلوماسي والفكري والمدني، وبمعرفتها العميقة في الشؤون العربية والدولية، أهمية تكاتف وتنسيق وتعزيز الجهود العربية والأممية الساعية لوقف الحروب والنزاعات المسلحة. وصنع السلام العربي والمحافظة عليه.. ونشر ثقافته وأسسه وقيمه.
أمام مبادرة هذه المجموعة، الكثير من التحديات والفرص، من بينها اعتماد رؤية حصيفة واقعية، للإسهام الخلاق والملهم في تعزيز بناء منظومة عربية متماسكة يسودها السلام والاستقرار والتعاون، ومبادئ وقيم الحوار والتسامح والمواطنة المتكافئة، والثقافة المدنية السلمية، والحوكمة الرشيدة، وتقديم مبادرات بناءة ترسخ إرادة السلم المجتمعي، ومسارات وقائية وإنذار مبكر للنزاعات، وأخرى (مسار ثانٍ) شعبية، تهيئ الظروف اللازمة لبناء جسور للحوار والتهدئة، وتقديم معالجات لمساعدة صناع القرار والأطراف المتنازعة لإنهاء الحروب وبناء السلام العربي، واعتماد مبادئ العدالة التصالحية والانتقالية.
كما تستطيع هذه المجموعة اجتراح وسائل عملية أخرى لتحقيق أهدافها ورسالتها القومية والإنسانية، من خلال تبادل الخبرات والتجارب الناجحة، وإعداد البحوث والدراسات، لتعزيز الوعي بأهمية السلام العربي والتعاون المشترك، والتشبيك التعاوني مع الجامعات ومراكز البحوث ووسائل الإعلام، والجمعيات والمؤسسات العربية والدولية المعنية بحل النزاعات ونشر ثقافة السلام.
ولا شك، أن المجموعة ستواجه الكثير من العقبات والصعوبات، إن في مجال التسجيل الرسمي لها، كمنظمة أهلية مستقلة غير حكومية وغير ربحية، حيث تتردد معظم الدول العربية في تسجيل مثل هذه المنظمات الأهلية التي يؤسسها أفراد من جنسيات عربية متعددة، ولنا في تجربة «منتدى التنمية» الخليجي، مثالاً على ذلك، والذي يضم نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام من مختلف دول الخليج العربية، وقد تأسس منذ أربعين عاماً، إلاَّ أنه حتى يومنا هذا، لم يحظ بقبول تسجيله الرسمي في أي من البلدان الستة.
ومن العقبات الأخرى، التي ستواجه «مجموعة السلام العربي» مسائل التمويل لأنشطته وبحوثه، فضلاً عن مواجهة ظواهر سلبية، تعشش في ثنايا خطاب المثقف العربي، من اصطفافات وتشكيك وشعبويات وغيرها. وقبل كل ذلك، حالة التأزم والإحباط في الشارع العربي، واتساع «الخرق على الراتق» في المشهد العربي، إلاَّ أننا في «مجموعة السلام العربي»:
نُعللِّ النفس بالآمال نرقبها،
ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
* إن ثمن النزاعات العربية باهظ، ونقيض للتنمية ورفاه الشعوب وازدهارها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"