عادي
تنقل بين المصحات النفسية لمدة عشر سنوات

أنتونان آرتو.. المسرح ميلاد جديد للروح

23:30 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»

من هو أنتونان آرتو (1896 1948)؟، إنه كاتب فرنسي بدأ حياته الفنية بديوان شعر صغير الحجم، جمع فيه بعض قصائد رمزية، ثم تعرف إلى المجموعة التي كان يتزعمها أندريه بريتون وأصبح من أنشط الذين أسهموا في الثورة السيريالية، وعندئذ لفت الأنظار إليه بكتب ثلاثة: «سر الغموض رسائل إلى جاك بريفيير ميزان الأعصاب» وأخرج في الوقت نفسه بعض المسرحيات، وتدرب على مهنة التمثيل، فأسندت إليه أدوار ثانوية لكنها مهمة في المسرح والسينما.

كتب آرتو تراجيديا مأخوذة عن شيلي وستندال، حاول أن يدلل بها على الفن الجديد الذي أراده، لكن المسرحية أخفقت إخفاقاً ذريعاً، فسافر بعدها إلى المكسيك، ثم زار أيرلندا، وعند عودته اعترته نوبة من الجنون، دخل على إثرها مصحة، وظل يتنقل من مصحة إلى أخرى طوال عشر سنوات.

كان آرتو قد مرض بأعصابه منذ شبابه وذهب إلى باريس طلباً للعلاج، وظل فريسة للألم.. ألم معنوي حاول أن يتغلب عليه بالمخدرات دون جدوى، وانتهى به الأمر إلى الجنون، وما الجنون إلا صورة من ذلك الاقتراب الذي يمليه المجتمع أحياناً على الفرد.

هل يمكن فصل نشاط آرتو رجل المسرح عن آرتو الرسام والرحالة والشاعر والممثل؟ هذا الكتاب وعنوانه «المسرح وقرينه» لأنتونان آرتو، ترجمة د. سامية أسعد، يجيب بأن هذا الفصل خطأ منهجي، وفي حالة آرتو بصفة خاصة، تكون الحياة والمؤلفات وحدة مترابطة متكاملة.

إذا كانت أسطورة آرتو قد نمت وانتشرت فذلك يرجع إلى كتاباته عن المسرح، فضلاً عن وجود جيل من الرواد ينتسب إليه، يجبرنا أن نعطي «المسرح وقرينه» أهمية خاصة، لكن لماذا اتجه آرتو إلى المسرح؟، هناك عدة تفسيرات منها أن المسرح صراع وكتاباته تزخر بالإشارة إلى الانفصام والتمزق الداخلي، ولأنه شعر بحاجته إلى تحطيم الحاجز الذي يفصل بينه وبين العالم والاتصال بالبشر، ومن السهل تصور مظاهر الشك العديدة التي كان يقابل بها إذا حاول شرح ما يقاسيه لمن حوله، ومن الواضح أن الشك ومحاولات التهدئة كانا يزيدان من ألمه ويعيدانه إلى عزلته، وكان لابد له كي يفلت من الانطواء على ذاته، ويستعيد صلته بالبشر ويتخيل وسيلة تبدد شكوكهم وتجعلهم يقبلونه بينهم، وبدا له أن المسرح وسيلة ترضي هذه الحاجة المتناقضة إلى الانطواء والاتصال.

رغبة في الاعتراف

تتخذ الحاجة إلى الاتصال المباشر بالبشر شكل رغبة في الاعتراف، وتلك طريقة أخرى تثبت أن المسرح مفتاح حاسم لعالم آرتو، فاعتراف البشر به يعني قبول البشر له واعتباره واحداً منهم. لقد نظر آرتو إلى المسرح حتى نهاية حياته، على أنه مكان ساحر يخرج منه الإنسان الجديد إلى العالم، المسرح في نظره ليس هروباً أو ملجأ أو برجاً عاجياً؛ بل أداة يمكن استخدامها للتأثير في الإنسان والعالم، ذلك أنه يعيد تكييف مصير الإنسان، ولذا تطلع إلى إيجاد مسرح علاجي يخاطب الإنسان برسائل محددة، يقترب من موسيقى الشفاء التي تلجأ إليها بعض الشعوب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"