عادي
رؤى عصرية

الدين الحنيف ترياق لداء العنصرية

23:57 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: يوسف أبولوز
قبل أن يضع الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن إعلانه التاريخي القاضي بتحرير العبيد في العام 1865، وقبل إعلان إلغاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1962، وقبل الأفكار النبيلة التي حملتها خطابات شعرية وفلسفية عديدة، رفض الإسلام العبودية، والتمييز على أساس اللون.

للخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مقولة معروفة متداولة حتى في الأدبيات الغربية هي: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟».

في النصف الأول من القرن العشرين، ظهر مفكرون إسلاميون مثل الكواكبي، وغيره من مفكري النهضة تبنّوا قضية الرق والعبودية، ودافعوا عن إنسانية بني البشر، قبل طيف المفكرين الأوروبيين الذين رفعوا لواءات الدفاع عن حقوق الإنسان، ونادوا بالديمقراطيات الاجتماعية والسياسية، إلى جانب أدباء ومفكرين عرب، ولكن، عند أوّل هزّة سياسية ذات مرجعيات طائفية مذهبية، انقلب هؤلاء على ما كانوا يطبّلون ويزمّرون له، وظهرت للعيان نزعاتهم التمييزية.

اختلافات

يختلف الإسلام تماماً عن كل هذه الارتدادات الفكرية والأيديولوجية والعقائدية، فهو دين التسامح، والعدل، والمساواة، وتكريم الإنسان إن كان أبيض أو أسود، أو ملوّناً، أو أصفر، أو أحمر.

هذه الثوابت والقيم الإسلامية النبيلة تتكثف في مدوّنتك العقلية أو الثقافية حين تقرأ كتاب «أثر السود في الحضارة الإسلامية» للكاتب والباحث العراقي رشيد الخيون، وصنّف الكتاب الذي صدر في أغسطس/ آب 2020 في طبعته الثانية عن دار «مدارك» للنشر ومكتبة الملك عبدالعزيز العامّة، تحت التاريخ والفكر الإسلامي، ولكن قراءته لا تتوقف عند هذا التصنيف، ففيه سردية طويلة للسود الذين قد نفاجأ الآن بأنهم كانوا سوداً، ولهم احترامهم ومكانتهم في الإسلام والثقافة الإسلامية.

الكتاب جاء برؤية بحثية، تاريخية، وأدبية، وسنعرف أن علماء، وقادة محاربين أو عسكريين، وشعراء، وشخصيات عامّة لعبت دوراً مهماً جداً في التاريخ الإسلامي، وهؤلاء لم يعرفوا ظاهرة العبودية في الإسلام سواء من الموالي أو الأرقاء. لا، بل يقول الباحث «إن الكثير من الأرقاء صاروا أصحاب نفوذ في الدولة، ومن الجواري من صِرْنَ سيدات في القصور».

الإسلام لا يقبل التجزئة في هذه النقطة، أي نقطة الشخصية السوداء، ولذلك رفض المفكر محمد شقرون، مصطلح «الإسلام الأسود» الذي يقسم العالم الإسلامي إلى خمس مناطق إثنية ثقافية كبرى: الإسلام العربي، الإسلام التركي، الإسلام الإيراني - الهندي، الإسلام المالوي، والإسلام الأسود.

ومن المهمّ هنا، ونحن نقرأ أن الأديان أو بعضها جرى إسقاط التمييز عليها من باب عنصرية اللون، أن نقرأ النموذج الشعري الذي أورده رشيد الخيوّن بذكاء، والنموذج يتصل بأبي العلاء المعرّي « في قصيدة له ينتقد فيها المذاهب التي تجعل الدين عنواناً للثورات» في إشارة ربما إلى ثورة الزنج. يقول المعرّي:

إنما هذه المذاهبُ أسبابٌ لجذب الدنيا إلى الرؤساء

عرضَ القوم متعة لا يرقون لدمع السمّاءِ والخنساءِ

كالذي قام يجمع الزنجَ بالبصرةِ والقرمطيّ بالأحساءِ

فانفرد ما استطعت فالقائِلُ الصّادق يضحي ثقلاً على الجلساءِ

ظاهرة بناءة

إن الطائفية والمذهبية تتضمنان ما هو أبشع من العنصرية والتمييز القائمين على اللون، فاللون مرئي، غير أن الطائفي أو المذهبي يخفي عنصريته هذه في قلبه فلا تراها على نحو هذه الباطنية المخبّأة، إذا كانت العبودية ظاهرة عالمية، فإنها في الإسلام ظاهرة بنّاءة. ظاهرة إيجابية لها أثر حضاري وأدبي وثقافي في مسار التاريخ الإسلامي، فمن هم هؤلاء السّود الذين تتبّع الخيوّن قصصهم وتاريخهم ونهاياتهم المصيرية؟ هنا: بلال بن رباح، الجاحظ، زرياب، عنترة، لقمان الحكيم، أسامة بن زيد بن حارثة، أيمن بن عبيد الحبشي، سالم مولى أبي حذيفة، نفيع بن مسروح الحبشي، أسلم الأسود، شقران الحبشي، عامر بن فهيرة، وهؤلاء في العهدين النبوي والرّاشدي.

سود الأمويين: مكحول الشامي، ممطور أبو سلام الحبشي، سعيد بن جبير، عطاء بن أبي رباح، حبيب بن أبي ثابت وغيرهم، وغيرهم.

سود العبّاسيين: فرج الحجّام، ذو النون المصري، أبو المسك كافور الإخشيدي، علي بن رضوان.

لا بل إن النساء السوداوات في التاريخ الإسلامي أنجبن سوداً لهم حضورهم أيضاً في الحضارة الإسلامية منهن: نبعة الحبشية، أم مكية الزنجية، دنانير بنت كعبوية، شعوانة الزاهدة، وغيرهن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"