تحديات المحلل السياسي

01:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

الأحداث السياسية في العالم ترتبط بخيط قد يكون رفيعاً فلا يُرى، أو سميكاً فيُدرك. والمتابع للأخبار السياسية يستطيع قياس وتقدير أهمية كل منهما، لكن المشكلة تكمن في الصيغة التي يُكتب بها المحتوى، والأسلوب الذي يُنقل به. إذ يبدو المحتوى لكثيرين واحداً لكنه ليس بواحد، وقد يبدو مؤيداً لجهة ضد جهة أخرى وهو ليس كذلك، لهذا، فإن المحلل السياسي يصرف وقتاً في القراءة والتمحيص ليتبيّن الحقيقة التي سيبني عليها تحليله وربما موقفه، رغم أنه ليس مطلوباً من المحلّل اتخاذ موقف، بصفته ليس جهة معنية في الصراع، وعليه قراءة المشهد بموضوعية ودقة.
 بعض المحللين يحصرون متابعاتهم في مصادر واحدة ومتشابهة تتفق مع أهوائهم واتجاهاتهم السياسية، وفي هذه الحالة لن يضيفوا شيئاً سوى تكرار ما تقوله الجهات الداعمة لتلك المصادر، بينما المحلل الحقيقي يسعى للاطلاع على مختلف المصادر ويقارن بينهما بجدية، وهو أمر مرهق.
 إن المشكلة تكمن في تصديق المحتوى واعتماده، حتى لو تابع المحلل أطراف الصراع جميعها، خاصة حين تحتمل المادة الإعلامية وجهين متناقضين، واحداً ينفي وواحداً يؤكد، فيضطر للجوء إلى مصادر من دول محايدة، لكن المشكلة تتعاظم حين يكتشف نسبية الحياد، أو أن الحياد بات مطلباً مستحيلاً، وأن الأحداث تشكل دائرة واسعة ومتصلة، ما يجعل مهمة المحلل صعبة إلا من خلال وضع سيناريوهات، والمشكلة حين تكون السيناريوهات متناقضة، ويتحول كراصد الطقس حين يقول بأن الطقس غداً إما ماطر وإما مشمس، ويشبه إلى حد بعيد التنبؤ بما ستلد المرأة، إما ذكر أو أنثى، فتكبر الحيرة ويكبر السؤال، ويصبح الخيط الرفيع كالخيط السميك، لا يبوح بما يشفي غليل الكاتب.
 كنا نعتقد أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي سيحل المشكلة، فإذا بها تُعقّدها، وكنا نظن أن الشبكة العالمية للمعلومات ستعطينا الخيارات والبدائل، فإذا بها تزيد الوضع إرباكاً، فهل الحل في متابعة المحلل ما تبثه وسائل إعلام بلده ليحيط بالأخبار، وماذا لو كانت وسائل الإعلام حيادية أكثر مما يتوقّع، فتنقل الرأيين والخبرين وتصريحات من الجانبين؟
 القضية هنا خارجة عن استفتاء القلب، وداخلة في معضلة حقيقية يعيشها المحلّل، فالأزمات الإقليمية أو العالمية ليست قضايا وطنية كي يبحر فيها المحلل باطمئنان، فيدافع عن وطنه ومصالحه، استناداً إلى أن مصالحه مرتبطة بشكل أو آخر بالصراعات الإقليمية والعالمية، ولهذا، فإننا نعود إلى فطرة الانتماء، وأمانة الالتزام.
إن أي قراءة للأحداث العالمية يجب أن تنطلق من المحلية، شأنها شأن النظرية الأدبية التي تقول إن الاهتمام بالمحلية يقود إلى العالمية، وعلى الصعيد السياسي، لا بد من فهم العلاقات المتشابكة والمصالح المشتركة، بين الوطن وأي جهة، مهما كانت بعيدة جغرافياً وسياسياً، فثمة علاقة موجودة حتى لو كانت بعيدة، فما هو بعيد اليوم سيكون قريباً غداً، والتفكير الإستراتيجي يتطلب النظر في مستقبل هذه العلاقات والمصالح.
 المصلحة الوطنية العليا هي المعيار الرئيسي لتحليل أي حدث سياسي أو اقتصادي، وهي القاعدة لاتخاذ أي موقف مؤيد أو مناهض، ولا يجوز وضع سيناريوهات متناقضة، ولا بد من الاجتهاد للوصول إلى رؤية شفافة وقريبة إلى الواقع، حتى تتسم بالمصداقية. لهذا، فإن موقف الإمارات العربية المتحدة من أي صراع، لا شك سيعتمد على المصلحة العليا للاتحاد ومستقبله، حتى لو كان الموقف غريباً وصادماً للبعض، فالسياسة لا يمكن أن تكون ثابتة على مر العصور، فهي تتغيّر وفق المعطيات المحلية والإقليمية والعالمية.
 إن موقفنا هنا لا يعني اللجوء إلى اللغة الإنشائية المنفّرة، أو البساطة المفرطة، وإنما الإحاطة بمجريات الأحداث وقراءة المستقبل ومتغيراته، والبناء على كل ذلك، تحليلاً أو موقفاً يتفق والمصلحة العليا للبلاد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"