عادي

كيف تصفّد الشياطين في رمضان؟

21:51 مساء
قراءة دقيقتين
شهر رمضان

د. عارف الشيخ

قال لي أحدهم في المجلس أمام الحضور: يا شيخ هل تصدق أنت أن الشياطين يُصفّدون في رمضان؟
قال هذا وكان التلفاز يعرض مسلسلة رمضانية هابطة والكل يشاهد تلك المسلسلة التي كانت تبدو وكأنها استهزاء بالدين.
قلت له نعم:.. ولا شكّ في ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء رمضان فتحّت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار، وسُلسلت الشياطين متفق عليه وفي رواية صُفّدت الشياطين.
قال أليس معنى صُفّدت أي غُلّت ولم تستطع الحراك والإغواء؟ وها نحن نرى في رمضان شياطين الإنس أكثر من شياطين الجن يملأون ليل رمضان ونهاره بإغواءات لم نكن نراها في غير رمضان.
قلت له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأنا أقول عن نفسي أصدّق هذا واستسلم لأن كثيراً من الغيبيات لم تنكشف لنا حتى الآن، فليس من حقي أن أتلكم فيما لا يدركه عقلي.
أضف إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر ذكر اختلافات العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان، فمنها أنه إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وإقبال الناس على مزيد من الطاعة، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفّدين (فتح الباري ج4 ص114).
وإلى مثل هذا المعنى أشار القرطبي حيث قال: فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي في رمضان واقعة كثيراً، فلو صفدت الشياطين لما وقع ذلك؟ والجواب أنها إنما تقلّ عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه.
إذن فإننا لا ننكر أن معاصي كثيرة تقع في رمضان، لكن في المقابل نرى إقبال كثير من الناس على الخير.
منهم من يزكّي عن ماله، ومنهم من يفتح باب التصدق، ومنهم من يمد الموائد للصائمين، ومنهم من يواظب على الصلوات الخمس في الجماعة مع الصيام، ومنهم من يصلّي التراويح ويأتي بعدها بصلاة القيام.
ونرى الأسر تتزاور وتتواصل في حين أنها في غير رمضان لم تكن كذلك، ومنهم من ينقطع عن شرب الخمر والتدخين في رمضان ثم يستمر على ذلك.
أليس هذا يعني أن الشياطين مصفّدة؟ أو أليس يعني هذا أن على الأقل مردة الشياطين يصفدون في رمضان، فتقل بذلك إغواءات الشياطين، وعندئذ تقع المعاصي؟ لكن الكثير أيضاً يخلصون إلى الطاعات ولا سبيل للشياطين إلى قلوبهم؟
أضف إلى ذلك معنى آخر كما قال بعض العلماء، وهو أن الصائم يجوع، فإذا جاع خارت قواه، ومن ثمّ ضعف أمام كثير من الملهيات ولا حراك به، وعندئذ لا يستطيع الشيطان أن يلعب به كما في حال الشبع.
ويقول ابن تيميّة: وتصفّد الشياطين فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار، فإن المصفّد هو المقيد إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات، فإذا كفّوا عن الشهوات صفدت الشياطين.
ونخلص من هذا إلى أن التصفيد هنا قد يراد به الحقيقة وقد يراد به المجاز، لأن تضييق مجاري الدم بالصيام يؤدي إلى خنق الشياطين الذين يجرون في ابن آدم من خلال دمه، فلا يستطيعون إغواءه.

  • من أرشيف الخليج
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"