يوفر اتفاق قادة جنوب السودان على هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية فرصة جديدة لإعادة طرح اقتراح اعتماد النظام الكونفدرالي مع السودان. خاصة أن الاتفاق الأخير تم بعد وساطة سودانية ساعدت في قبول الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار النسب المقترحة لاقتسام المواقع القيادية في الجيش والأمن والشرطة، وأحيت الأمل في إمكانية استكمال بقية البنود في اتفاقية السلام الموقعة في العام 2018.
وفي محاولة لاحتواء التداعيات المأساوية التي تعرض لها السودانان، في أعقاب انفصال يوليو (تموز) من العام 2011، طرح العديد من قادة السياسة والفكر السياسي اقتراح الكونفدرالية لترتيب علاقات البلد المنقسم ضمن اتحاد يحفظ استقلالية مؤسسات كل دولة وسيادتها على أراضيها وقرارها السياسي، ويدفع باتجاه التعاون لتعزيز الأمن المشترك والتنمية والازدهار الاقتصادي. علاوة على أن اقتراح الاتحاد الطوعي، يقفل الطريق أمام تجدد النزاعات المسلحة وسيادة نوعية العلاقات الفوضوية التي تعقب المراحل اللاحقة لانقسام الدول.
اقتراح الكونفدرالية لم يجد أبداً أذناً صاغية من قبل القادة وصنّاع القرار في الدولتين، وقد يعزى السبب في ذلك جزئياً إلى أن الظروف التي تم فيها طرح الاقتراح لم تكن ملائمة. فاقتراح الكونفدرالية كان يتم طرحه وسط أجواء مشحونة بالعداء وفقدان الثقة وفي ظروف انخرط فيها الجانبان في صراعات مؤلمة حول قضايا ترسيم الحدود ومستقبل منطقة أبيي واقتسام عوائد النفط وغيرها.
كما أن الاقتراح نفسه افتقر دوماً إلى الزخم، حيث إنه كان يجيء دوماً نتاج مبادرات فردية من قادة الشمال خصوصاً. لم تكن هناك مساع لانخراط مؤسسات سياسية وأكاديمية لتبني الاقتراح بشكل مؤسسي، ولا كانت هناك محاولات لتوفير الدعم والغطاء من قادة السياسة وقادة المجتمع في جنوب السودان، الطرف الآخر صاحب المصلحة المتماثلة في اتحاد الدولتين.
لكن الظروف تبدو مختلفة اليوم عما كانت عليه في السنوات التالية لإعلان الانفصال ونشوء الدولة الجديدة. فقد هدأت حدة النزاعات الداخلية والبينية بسبب الإنهاك وتدهور الأوضاع، بينما أصبح البحث عن استقرار الحكم هاجساً يؤرق صنّاع السياسة والقرار، في مواجهة الأزمات الاقتصادية الطاحنة وازدياد معدلات الفقر وشبح الجوع الذي يهدد الملايين في الدولتين.
وبات في الإمكان ملاحظة العديد من المؤشرات على عودة التقارب بين البلدين في مقابل روحية، التنافس والعداء التي كانت سائدة. وتشير التقارير إلى أن مدن السودان المتاخمة للحدود الجنوبية شهدت طوال الفترة الماضية موجات لجوء كبيرة من الجنوبيين أخذت طريقها مباشرة إلى الخرطوم والمدن الكبرى، خاصة بعد استئناف النقل النهري بين السودان ودولة جنوب السودان عبر ميناء كوستي النهري.
كما أن قادة جنوب السودان قد مهدوا منذ بداية إعلان الانفصال لنوع من العلاقة المستقبلية مع الوطن الأم عبر تسمية دولتهم الجديدة ب«دولة جنوب السودان»، ولم يختاروا أي اسم آخر يضع حاجزاً مع تاريخ الدولة الواحدة. ويبدو طرح الاتحاد الكونفدرالي في هذه المرحلة ملائماً، لكنه يحتاج إلى قاعدة سياسية وشعبية أكبر وأوسع نطاقاً.