عادي

أبو بكر وعمر.. أروع فصل في الإسلام

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

في مقدمة كتاب «الشيخان» لعميد الأدب العربي د. طه حسين، نقرأ: «وأنا مع ذلك لا أريد الثناء عليهما، يقصد أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وإن كانا أهلاً للثناء، وقد كانا، رضي الله عنهما، يكرهان الثناء أشد الكره، ويضيقان به أعظم الضيق». ويتابع: «وما أريد أن أفصل في الأحداث الكثيرة الكبرى التي حدثت في أيامهما، فذلك شيء مفصل أشد التفصيل في ما كتب عنهما القدماء والمحدثون. وأكاد أقطع بأن ما كتب القدماء من تاريخ هذين الإمامين العظيمين ومن تاريخ العصر القصير الذي وليا فيه أمور المسلمين، أشبه بالقصص منه بتسجيل حقائق الأحداث التي كانت في أيامهما، والتي شقت للإنسانية طريقاً إلى حياة جديدة كل الجدة».

من خلال تلك الإشارة، يتضح أسلوب طه حسين في البحث والتحليل والتقصي، فهو يُخضع كل ما يكتب للتحليل المنطقي والعقلي، ويكاد يبتعد عما يراه شطحاً، وأقرب إلى التضليل في كثير من الروايات المنقولة عن أعظم خليفتين بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

و«الشيخان» بهذا المعنى، هو كتاب أبدع فيه طه حسين أسلوباً جديداً ورائعاً، وهو يتحدث عن سيرة إمامين جليلين، وما عايشاه من أحداث ومواقف ووقائع كالحروب والمعارك، وكل ما له صلة بشؤون السياسة والحكم في خلافتهما، وما كان من شأن تدبير شؤون المسلمين واقامة العدل والمساواة في الأرض.

1

جوانب إنسانية

يلتقط طه حسين في الكتاب جوانب إنسانية وتفسيرات عديدة لم ترد من قبل في حياة أعظم رجلين جاءا بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. والكتاب بهذا، يغوص في الحقائق التاريخية من خلال تحليل وبحث عقلي ومنطقي من وجهة نظر طه حسين.

وكما هو واضح في مقدمة الكتاب، اختار طه حسين أبا بكر وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، لأنهما كانا الأقرب من حيث الحكم والعدل إلى منهج الرسول الكريم خاصة، وأنهما جاءا في فترة ظهرت فيها الردة، والفتنة، وخيضت فيها عدة معارك إسلامية كثيرة. كما أن تسليطه الضوء عليهما دون غيرهما هو إنصاف من حسين لدورهما الجليل في الحفاظ على ثوابت الشريعة الإسلامية، والكتاب يلخص سيرتهما في ضوء هذه العناصر الأساسية.

يقول طه حسين: «هذا النهج الذي نهجه الشيخان، والذي قصر عنه بعدهما الخلفاء والملوك، هو الذي أريد أن أعرفه وأجلوه لقارئ هذا الحديث، وأستخلص منه بعد ذلك شخصية أبي بكر وعمر رضي الله عنهما».

والكتاب يتحدث عن آثار الردة في الإسلام والمسلمين، وينصف الخليفة أبا بكر، رضي الله عنه، في هذا الجانب بالقول: «فلما استخلف أبو بكر نظر فإذا الأرض من حوله كافرة وكان أمام نار مضطربة في الجزيرة العربية، وهو بين اثنين: إما أن ينقذ هذا الجيش فيواجه هذه النار المتأججة غير قادر على إخمادها، وإما أن يؤجل إنقاذ هذا الجيش حتى يحاول به إخماد هذه النار فيبطئ في إنفاذ وصية النبي، وسنرى أنه كيف استطاع أن يخرج منها ظافراً موفوراً».

عبقرية

سلط طه حسين الضوء على فترة خلافة عمر بن الخطاب، بوصفها كانت طويلة بين الخلفاء الراشدين، وهي استحوذت على بحث وتحليل، فأصبحت بالنسبة له، أي حسين، عبقرية في فنون السياسة والحكم، ومثالاً لتأكيد الكثير من القيم الرائعة للإسلام خاصة في ترسيخ أسس الدولة الإسلامية التي توسعت خلال الفتوحات شرقاً وغرباً.

يتحدث طه حسين عن مبايعة الخليفتين ويحلل مفهوم البيعة في الإسلام، كما يتحدث عن موقف الخليفتين حال سماعهما نبأ وفاة الرسول الكريم، ويعرض الكتاب لبعض الخلافات بين الرجلين بشأن مواقف تفصيلية لها علاقة بحفظ القرآن الكريم، وكيفية استئناف سير المعارك الإسلامية وغيرها من التفاصيل والقرارات التي اتخذها أبو بكر وعمر من بعده.

في السياسة وإدارة الحكم، على سبيل المثال، يقول طه حسين: «اختصر أبو بكر سياسته في جملة قالها في أول خطبة خطبها بعد أن استخلف وهي قوله: «إنما أنا متبع ولست بمبتدع»، فقد ألزم نفسه سيرة النبي في تدبير الحرب، وفي إجراء الأحكام في المدينة وفي سائر الجزيرة العربية بعد أن رجعت إلى الإسلام.

وفي إطار إعجابه الشديد بسياسة الفاروق عمر بن الخطاب، يقول طه حسين: «بوفاة عمر بن الخطاب، ختم أروع فصل في تاريخ الإسلام والمسلمين منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر الدهر، فلم يعرف المسلمون وما أراهم سيعرفون في يوم من الأيام خليفة يشبه عمر من قريب أو بعيد، فقد رأيت أنه، رحمه الله، أزهد خلفاء المسلمين وملوكهم في الدنيا وأشدهم لها ازدراء وأعظمهم منها نفوراً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"