دردشة في كرتون الكبار

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت: ما الذي يضحك أيها القلم؟ قال: إنّي مستبشرٌ خيراً، أفلم تر موضة الكرتون من بين مسلسلات رمضان؟ قلت: تلك ديمقراطية الإنتاج الفنيّ، أعط ما للكبار للكبار، وأعط الصغارَ ما للصغار. قال: اختلطت عليك الأمور، ولا حرج فلعله الجوع والعطش، أو لعلك شاهدت الرسوم المتحركة على طريقة: «وربّ مستمع والقلب في صممِ»، وإلاّ فموضوعها لا علاقة له بالأطفال. لو كان للصبيان، لقلنا للشركة: «ما هكذا تورد يا سعد الإبل». قلت: لكن، ما وجه الاستبشار؟ هات قل قبل أن يصيبني الدّوار.
قال: كيف خفيت عنك البشرى، تا الله إنها لتساوي من البشائر عشرا. لا شك في أن المنتجين رأوا ما لم ير نائم ولا يقظان. أبصروا ببصائر التجليات بفضل الواقع المعزّز، أو إلهامات «ميتافيرس» التقانية، ما لا يلوح لخلد أو فؤاد، لحافٍ أو ناعل. من غير ريب رأوا أبدع رؤية، وأروع رؤيا، وهم الذين خبرناهم وعهدناهم على طول السنين، لم يدعوا في غابات الفن أسود إبداع إلاّ أتوا بها من آذانها، إنهم لا شك رأوا في عوالم ما يرى المبدعون، أن أربعمئة مليون عربي، أعادتهم آلة الزمن إلى زمن الصبا، فطفقت شركات الإنتاج تفرّخ الرسوم المتحركة، والفضائيات متيمّنة متبرّكة.
قلت: ما هذا الخيال غير العلميّ الذي تشطح به؟ لم أفهم مقصودك، وليت الشباب يعود يوما، لنخبره بما فعل المشيب، وأراك تهذي بعودة نعومة الأظفار. لكن، لا حرج على شركات الإنتاج الفنيّ إذا هي أنتجت رسوماً متحركة في مثل هذه الفنتازيا، التي تثير غباراً لا يشق له غبار، ففن الكرتون صار يحلّق في آفاق، تحتاج إلى معجزات للحاق، فما تُدرك تلك الفضاءات بوضع الساق على الساق، أو بالرضا بقديم بضائع الأسواق.
قال: إذا عاد قطار آلة الزمن إلى عهد «وبراءة الأطفال في عينيه»، فسوف تعود طبيعة الفن إلى الفطرة. اسأل الذوق السليم: ما الذي تفتقده منظومة القيم الإبداعية في جلّ الإنتاج الفني في العقود الأخيرة؟ متعة المعاناة، صدق الاقتدار الإبداعي في نسبة غير قليلة من الإنتاج، الافتقار يدفع المنتجين لا محالة إلى افتعال التجاوزات بحثاً عمّا ينتشل العمل من الهبوط المحتوم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجاحظية: أديبنا الكبير أبو عثمان عمرو بن بحر، لديه أروع صورة كمرجع لمنتج الرسوم المتحركة: معلم الصبيان، بالعصا والمقلاع والطبل والمزمار. غد الفن مشرق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"