عادي
تراث أدبي طويل من استخدام الرموز والدلالات

الحيوان في الأدب..النقد من وراء ألف قناع

23:41 مساء
قراءة 5 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

يحفل الأدب العربي والعالمي بروايات وقصص أبطالها من عالم الحيوانات، بعض هذه الأعمال تحدثت عن عالم الغابة، وصورت الصراع الشرس الذي يدور في هذا العالم، وكان الهدف منها، هو تصوير صراعات تلك الكائنات في علاقاتها مع بعضها بعضاً أو في علاقاتها مع الإنسان، أما البعض الآخر وهو الأهم، فقد شكل تورية لتصوير الطبيعة البشرية، فكانت الحيوانات سواء القطط، أو الكلاب، أو الحمير، والأحصنة وغيرها، كائنات وظيفية ذات رموز ودلالات تسبر غور النفس الإنسانية أما استخداماتها في الأعمال الروائية والقصصية بهذه الكثافة، فذلك لأنها وعبر الأزمان كانت ولا تزال قريبة من الإنسان وهي بكل تأكيد محببة إلى نفوس القراء ويقبلون على قراءتها بنهم ملحوظ.

لنا أن نتذكر – على سبيل المثال- كيف «أنسن» تولستوي الحصان وأعطاه صفات بشرية في «حصان بوجه بشري» وكيف أن قط «بغموت» في رواية «المعلم ومارغريتا» لميخائيل بولغاكوف، كان من أكثر القطط سحراً في الأدب الروسي، وهناك قط الكسندر بوشكين في مقدمة قصيدته «روسلان ولودميلا» وفي هذا وذاك مثلت القطط رمزاً للحكمة والمكر، كما رمزت حيوانات أخرى كالكلاب إلى التفاني ونكران الذات.

نتذكر رواية «أنا وحماري» للإسباني «خوان خيمينث»، التي يتحدث مؤلفها بطريقة شعرية عن حياة وموت الحمار«بلاتيرو» الذي وظف كرمز لما يدور في قريته من حوادث وقصص تنبعث منها روائح الحزن والحنين، والكتاب كما وصف ليس تاريخاً لحياة حمار ثرثار، وإنما هو رمز قريب من قلب صاحبه، أكثر مما هو لدى الإنسان الذي يصوره خيمينث ككائن من دون مشاعر ولا روح فيه.

روح العصر

ولكن، ماذا عن الجحش الذهبي، للكاتب أبوليوس الذي عاش بين (125 و 180 ميلادية، واسمه الكامل لوكيوس أبوليوس المدوري نسبة إلى بلدة مدورا ما بين الجزائر وتونس، الكاتب تلقى علومه في قرطاجنة، وأثينا، وروما، وعرف عنه اهتمامه بالفلسفة والأدب والطب وعلوم ما وراء الطبيعة، ولرواية «الجحش الذهبي» أسماء كثيرة منها«التحول» و«المسخ»، وفي هذه الرواية بالذات اتبع الكاتب أسلوب الحكواتي الذي كان ينادي على الناس في الأسواق قائلاً: أعطني قطعة من النحاس وسأقص عليك حكاية ذهبية، الكتاب صدر في طبعات كثيرة وبرسوم مشوقة، ليرمز إلى روح العصر الذي دارت فيه الأحداث.

جوهر الخير

هناك رواية «دون كيخوته» لثيربانتس، وبطلها الشخصية الكاريكاتورية ألونسو كيخانو الذي فقد عقله من كثرة ما قرأ من قصص الفروسية، وها هو يقرر أن يترك منزله وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم من العصور الوسطى، في رحلة مغامرة بحثاً عن المجد، حيث يقرر أن يتسلح بدرع قديمة ويرتدي خوذة بالية مع حصانه الضعيف«روسينانتي»، فيتخيل البيوت المتواضعة وكأنها قلاع وقصور شاهقة، وقد صادفه الكثير من الحظ في مغامراته الفكاهية، حيث كان الشخصية الرئيسية التي تدفعها جوهر الخير والمثالية، وتبحث عن تقويم الأخطاء التي ارتكبها الآخرون، فيكون دوره مساعدة المهمشين والمحرومين والمساكين معيداً من خلال هذا الدور دور الفرسان الجوالين.

مفارقة مدهشة

في قصة «قصة النورس والقط الذي علمه الطيران» للكاتب التشيلي لويس سيبولفيدا نتعرف على عوالم من المفارقة المدهشة، منذ عتبة العنوان، مروراً بإشارة مؤلفها إلى أنها «رواية للفتيان من الثامنة وحتى الثامنة والثمانين»، صدرت الرواية في عام 1999م مترجمة عن دار ورد من قبل رفعت عطفة، وهي تحكي قصة القط «ثورباس» الذي عانى كثيراً في تعليم النورس الصغير«محظوظة» الطيران. والمدهش في الرواية ذلك الرتم السحري الذي بذله المؤلف في نسج حوارات بين (حيوانات – شخصيات) الرواية، التي وصفت بأنها تعلم الإنسان الإخاء والتعاون والإصرار.

الضحية

في رائعة تشيخوف «الألم» ثمة فلاح عجوز، حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها، وأثناء الطريق بدأ الرجل كأنما يناجي نفسه، في الحديث، ولكنه أيضاً يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه نحو 40 عاماً في شقاء وبؤس ومعاناة، وها هو يشعر بالتقصير نحوها، وكم كان قاسياً تجاهها؛ فعليه الآن أن يعوضها باللطف واللين والكلمات الطيبة، استمر في الحديث ووصل المدينة وقد فارقت زوجته الحياة، قبل أن يتسنى لها أن تسمع كلامه العذب.

وما هو مهم في القصة، هو الإشارات اللافتة التي تتخلل أحداثها وتصف عذابات الحصان الذي يجر العربة، فهو ذلك الحيوان البائس الذي كان يزحف ببطء، وهو يجر قدميه في الثلج بوهن شديد.

تعاسة

«مزرعة الحيوان» رواية لجورج أورويل، تدور أحداثها في إحدى مزارع إنجلترا، حيث الخنزير«ميجر» الذي يجمع حيوانات الحظيرة مؤكداً لهم أن التعاسة التي تلاحقهم سببها الإنسان، وعليهم أن يتخلصوا من حكم هذا المستبدّ، يموت هذا الخنزير الثائر بعد إلقاء خطابه بأيام، ليظل خطابه محرضاً الحيوانات الأخرى على الثورة ضدّ مستعبدهم الإنسان، فرفعوا شعارات من قبيل «ذوات الأربع أخيار وذوات الاثنين أشرار» وجميع الحيوانات متساوون، وهنا يهجم السيد «جونز» صاحب المزرعة على الحيوانات الثائرة لكنه يفشل فشلاً ذريعاً، إذ تحولت المزرعة إلى مزرعة يملكها الحيوانات لا البشر.

وبمرور الوقت هيمنت الخنازير، التي أصبحت تحكم دون انتخابات، وترفض كل اعتراض، بل صارت تشبه البشر في هذا السلوك المستهجن.

كاريكاتور

قلب كلب رواية للكاتب الروسي «ميخائيل بولغاكوف»، كتبت بمغازٍ سياسية واضحة، من خلال الكلب بطل الرواية، وكيف يتحول إلى إنسان، بعد أن زرعت فيه غدة نخامية مجلوبة من كائن بشري، ومثل هذه الإسقاطات الرمزية كانت واضحة في إشاراتها الناقدة للمجتمع الروسي.

وقد وصفت بأنها عمل جريء إبداعي... يميز بين العالم والجاهل، وبين المنتج والمستهلك، ويحث على أن يأخذ كل إنسان مكانه الصحيح.

ربيع الغابة

إماراتياً ثمة رواية للكاتب الإماراتي جمال مطر صدرت حديثاً وهي بعنوان «ربيع الغابة» التي وصفت بأنها تطرح كثيراً من القضايا الإنسانية المهمة كالسلطة والنفوذ والولاء والدهاء بشكل جديد ومختلف، بحس مسرحي ونفس شعري، لأبطال الرواية وهم من حيوانات الغابة، قدمها الكاتب عبر حبكة درامية متميزة في قصة فأر ذكي تم اختياره لينوب عن الأسد في حكم الغابة خلال غيابه، وقد حاول بدهائه الماكر قلب نظام الغابة ليحقق مصالحه الشخصية.

حكم ومواعظ

1

من منا لم يسمع بكتاب «كليلة ودمنة» من ترجمة عبد الله بن المقفع، هو الكتاب الأبرز في التراث الأدبي العربي، وصيغ بأسلوب أدبي رفيع وقد امتلأ الكتاب بالحيوانات والطيور كشخصيات رئيسية فيه، وهي ترمز في الأساس إلى شخصيات بشرية وتتضمن القصص عدة مواضيع من أبرزها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالإضافة إلى عدد من الحِكم والمواعظ.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"