عادي
الرسول والآخر

حق الرسالة ينتصر على الباطل (1-2)

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً عظيماً مثل رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صاحب رسالة عظيمة وحسب، وإنما كانت سيرته ومسيرته التي امتدت نحو ثلاثة وستين عاماً، أنموذجاً فريداً لرسول عظيم، ونبيٍّ كريم، وقائد مُلهَم، وإنسان بلغ من الصدق والأمانة والرأفة والرحمة والتسامح مع الآخر مبلغاً لم يصل إليه أحد من العالمين، ولِمَ لا وقد قال الله في شأنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4 5]

كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يبذل قصارى جهده في سبيل هداية الآخر/ أهل الكفر والضلال من قريش وغيرها من قبائل العرب؛ فلم يدخر وسعاً من أجل هذا الهدف السامي، رغم كل ما كان يتعرض له من محاولات إيذاء وتهديد ووعيد بل وقتل، ومنها ما ذُكر من أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان، ورغم ذلك كان يرجو «أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئاً».

روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه قال: بينما رسول الله يصلي عند البيت، وأبوجهل وأصحابٌ له جلوس، وقد نُحِرتْ جزور (ما يُذبح من الإبل، ولفظه أنثى) بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور (السَّلا: اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان، وهي من الآدمية المشيمة) بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه. قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، أي: ابن مسعود، لو كانت لي منعة، طرحته عن ظهر رسول الله، وهو، صلى الله عليه وسلم، ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة بنت النبي، فجاءت وهي جُويْرية (تصغير جارية) فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم. فلما قضى النبي صلاته، رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثم قال: اللهم عليك بقريش (ثلاث مرات)، فلما سمعوا صوته، ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته. ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع ولم أحفظه. جاء في رواية أخرى عند البخاري: أن هذا السابع هو عمارة بن الوليد. قال: فوالذي بعث محمداً بالحق لقد رأيت الذين سماهم النبي صَرْعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب، أي: البئر التي حُفرت لهم، قليب بدر.

وعن عبد الله بن مسعود قال: بينما رسول الله ساجد وحوله ناس من قريش، إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، فقذفه على ظهر رسول الله، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره، ودعا على من صنع ذلك، فقال: اللهم عليك الملأ من قريش.

كما كان المشركون يشتمون ويسبون النبي، صلى الله عليه وسلم، فكانوا يُسمونه مُذمَّماً بدلاً من اسمه «محمد»، فعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:«أَلَا تَعْجَبُونَ كيف يَصْرِفُ اللَّهُ عنِّي شَتْمَ قريشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّماً، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّماً، وَأَنَا مُحَمَّدٌ».

لم يقتصر الأمر على محاولات كفار قريش إيذاء رسول الله بشتى الوسائل والسُّبل، وإنما تعداه إلى تهديد مَنْ آمنوا بما جاء به من عند الله تعالى، وتركوا ما كانوا عليه من عبادة الأوثان.

لقد أعلنوا أنهم لن يتركوا أحداً يأتي إلى بلادهم لملاقاة محمد إلا واستخدموا أسلحتهم الكلامية في حربهم الدعائية ضده صلى الله عليه وسلم، حتى ينصرف الناس من حوله. ومن هؤلاء الذين استقبلوهم وحذروهم من النبي ودعوته، الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي، وكان شاعراً لبيباً، رئيس قبيلة دوس، قدم مكة، فاستقبله أهلها قَبْل وصوله إليها، وبذلوا له أجَلَّ تحيَّة وأكرم تقدير، وقالوا له: يا طفيل، إنك قدمتَ بلادَنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قولُه كالسِّحر، يُفرِّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تُكلمه ولا تسمعنَّ منه شيئاً.

يقول الطُّفَيل: فواللهِ مازالوا بي حتى أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئاً، ولا أكلمه، حتى حَشَوتُ أُذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا (قُطْنًا)؛ فَرَقًا من أنْ يبلغني شيء من قوله. قال: فغدوتُ إلى المسجد فإذا هو قائم يُصلِّي عند الكعبة، فقمتُ قريباً منه، فأبى الله تعالى إلاَّ أنْ يُسمعني بعض قوله، فسمعتُ كلاماً حَسَناً، إلى أنْ قال: فَعَرَضَ علَيَّ الإسلام، وتلا عليَّ القرآن. فواللهِ ما سمعتُ قولاً قَطُّ أحسنَ منه، ولا أمراً أعدلَ منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحق.

وها هو ضِمادُ الأزْدي، وكان يرقِي (أي: يقوم بالرُّقْية) من هذا الريح (مَس الجن)، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون: إنَّ محمداً مجنون، فقال: لو أني أتيتُ هذا الرَّجل لعل الله يشفيه على يديّ، فلقيه، فقال: يا محمد، إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟ فقال رسول الله:«إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد». فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهُنَّ عليه رسولُ الله ثلاث مرات، فقال: لقد سمعتُ قولَ الكهنة، وقولَ السَّحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مِثلَ كلماتك هؤلاء، هاتِ يدَك أبايعك على الإسلام، فبايعه.

وكان أبو جهل، إذا سمع عن رجل أسلم وله شرف ومَنعة، أنّبه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفهن حلمك، ولنضعفن رأيك، ولنضعن شرفك. وإن كان تاجراً قال له: لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"