عادي
قراءات

رولان بارت..المراهقة زمن الذاكرة المثالي

23:54 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»
يضم كتاب «شذرات من رولان بارت» ترجمة لطفي السيد منصور، الحوارات التي أجراها بارت بالفرنسية، مرتبة زمنياً حسب تاريخ إجرائها، من أكتوبر عام 1962 حتى أبريل عام 1979، وعبر هذه الحوارات يمارس بارت سحره، وأحياناً ديكتاتوريته، منذ كتابه «درجة الصفر في الكتابة» المنشور في عام 1953.

في أحد الحوارات يسأل المحاور بارت: «قليلاً ما نراك، ونادر ما نسمعك، فبعيداً عن كتبك لا نعرف عنك أي شيء تقريباً»، ويجيب: «على افتراض أن هذا صحيح، لأنني لا أحب المقابلات كثيراً، أشعر بأنني عالق بين خطرين: إما الإعراب عن مواقف بطريقة غير شخصية، والسماح للمرء بأن يصدق أنه يلعب دور المفكر، وإما أن يقول دون توقف «أنا» ومن ثم يتهم بالأنانية».

ومع أنه كتب «رولان بارت بقلمه» ويتحدث فيه بإسهاب عن مرحلة طفولته ومراهقته، ظل صامتاً بصدد المراحل التالية، ويرد على هذه الملاحظة قائلاً: «لأنني مثل أي شخص آخر، أتذكر جيداً طفولتي وشبابي، وأعرف كيف أقوم بالتأريخ لها، وأعرف معالمها، ثم في المقابل يحدث الشيء الغريب، لم أعد أتذكر، لم أعد أستطيع التأريخ، كما لو كانت لدي ذاكرة فقط للأصل، وكما لو كانت المراهقة تشكل الزمن المثالي الفريد للذاكرة، نعم هو كذلك، مرت فترة المراهقة وأنا أرى حياتي مثل حاضر ضخم، من المستحيل قطعه، ووضعه في منظور».

1

ويصف بارت «المقابلة» أو «المحاورة» بأنها معقدة مرة، ومرة ثانية يصفها بالمؤلمة إلى حد ما، وتستدعي جملة «ليس لدي ما أقوله» التي تشير إلى الدفاع غير الواعي على نحو متفاوت بالنسبة للشخص الذي يكتب، فالمقابلات بالنسبة لبارت شاقة، ويكمن السبب في ما لديه من أفكار حول العلاقة بين الكلام والكتابة.

يقول: «أنا أحب الكتابة، بينما لا أحب الكلام سوى في إطار خاص جداً، ذلك الإطار الذي أصنعه بنفسي، على سبيل المثال في «سيمنار» أو في فصل دراسي، أشعر بالانزعاج دائماً، عندما يكون الكلام بديلاً للكتابة، لأنه حينئذ يتكون لديّ انطباع بعدم الجدوى، ما أردت قوله لا أستطيع أن أقوله بشكل أفضل إلا وأنا أكتب».

وأصدرت «دار سوي للنشر» كتابه «مقالات نقدية»، وقدمته بالقول: «لم يعد بارت المؤلف الشاب الذي يجب أن يبذل كل جهده من أجل المستقبل، ولا الكاتب المبتدئ الذي تجعله رعونته غير عدواني، لقد أصبح منافساً شرساً، الشاهد المزعج الذي بعد اختفائه في النهاية، يمكن أن نعود إلى لعبة الماضي الصغيرة، اللياقة، ونبضات القلب، والمرح، والجمل الرائعة، والقلم الجميل، ومع ذلك لا يزال بارت يواصل بشجاعة، طرح تحدياته».

وحين أصدر كتابه «نظام الموضة» قال في حوار أجري معه: «إن عنوان كتابي ليس استفزازياً، فمشروعي لا يعتمد على تقديم وجهة نظر جديدة تتعلق بالموضة، بقدر ما يشكل عملاً بحثياً، فهذا العمل جزء من مجموعة متنامية من الأبحاث الحالية التي تجمع تحت اسم «البنيوية».. إنه يتعلق بحركة فكرية وتحليلية تسعى جاهدة، من خلال بعض الوسائل الدقيقة للغاية، إلى إيجاد بنية الأشياء الاجتماعية والصور الثقافية، والصور النمطية، سواء في المجتمعات القديمة أم في مجتمعات التقنية الحديثة».

كان بارت قد قصر مقالاته على الملابس النسائية التي نقرأ عنها في المجلات النسائية المتخصصة، ومن ثم على الوصف الكتابي للموضة؛ إذ لم يعد هناك أكثر إقناعاً من الصورة، فالنص، الأسطورة، إذا رافقا الصورة، فهما لا يشكلان أكثر من دعوة للنظر إليها بشكل أفضل، وكدليل على ذلك، فإن أي امرأة لن تشتري فستاناً دون أن تجرّبه، وبعبارة أخرى دون أن تتجاوز الإقناع اللفظي.

ويرى بارت أن الموضة تتعامل مع العديد من أنظمة التعبير: المادة والتصوير الفوتوغرافي، واللغة، وكان من المستحيل القيام بتحليل صارم لمادة مختلطة للغاية، يقول: «اهتممت باختيار مادة نقية ومتجانسة قدر الإمكان، حينذاك كان مبرري أن مجلات الموضة تنتشر اليوم انتشاراً ضخماً، وأنها جزء من الثقافة الجماهيرية، وكل الإحصائيات تشهد بذلك، لذا فإن الملابس في الشوارع قد تبدو لك أقل واقعية، وأقل إثارة للاهتمام، فإنها تكتسب أبعاداً جديدة بوصفها إسقاطاً للخيال الجماعي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"