عادي
نوادر

مجانين من نوع آخر

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
حينما يتصرف الإنسان تصرفاً معاكساً لطبيعة الآخرين، يُحكم عليه بالجنون، غير أن هناك الكثير من العلماء تصرفوا تصرفات مخالفة لأحوال الناس الطبيعيين، ولو أننا كنا في زمانهم لربما نعتناهم بالجنون، لكن هو جنون من نوع آخر يحدث عندما تزداد نسبة الذكاء ويسميه بعضهم بجنون العلماء.

يقول الجاحظ وهو المعروف بأنه لسان العرب وعبقري البلاغة والأدب:«نسيت بماذا أُكنى خمسة أيام، وأخذت أسأل الناس عنها علّهم يذكروني بماذا أُنعت»، حتى جاءه أحدهم، وقال له: أنت أبو عثمان، فشكره الجاحظ كثيراً فهل كان مجنوناً؟

ومن قصص جنون العلماء ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي عن نيوتن يقول:«كانت في دار نيوتن قطة، كلما أغلق عليه بابه، وقعد إلى كتبه ومباحثه، أقبلت تُخَرمش الباب، وتخشخش بأظفارها، فتشغله عن عمله حتى يقوم فيفتح لها، فلما طال عليه الأمر كدَّ ذهنه، وأطال بحثه، فاهتدى إلى المَخلَص، ففتح في أسفل الباب فتحة تمر منها فاستراح بذلك من شرها، ثم ولد لها ثلاث قُطيْطات فقال نيوتن الآن ستفعل هذه كأمها وتفسد عليَّ مباحثي فاهتدى إلى أن يفتح ثلاث فتحات في الباب لتدخل منها ففتح لكل واحدة منها». الغريب أن هذا العقل الكبير الذي وسع قانون الجاذبية لم يتسع لحقيقة صغيرة، هي أن الفتحة الواحدة التي فتحها للقطة الأم كانت تكفي القطة الأم وأولادها، فهل كان نيوتن مجنوناً؟

والأمر كذلك عند أمبير، وهو عالم ورياضي فرنسي أجرى عدة تجارب على الظواهر الكهرومغناطيسية، لكنه على الرغم من سعة علمه كان يتصرف تصرفات غريبة منها أنه كانت تعرض له مسائل في الطريق، فلا يجد قلماً لها وورقاً، فحمل معه حوَاراً، فكلما عرضت له مسألة، ورأى جداراً أسود، وقف فخط عليه، فرأى مرة عربة سوداء واقفة، فجعل يكتب عليها أرقامه ورموزه، واستغرق فيها، حتى سارت العربة، فجعل يعدو خلفها مسرعاً وحَوَاره بيده، من دون أن يشعر بغرابة فعله!

أما هنري بوانكاريه، أحد أمهر العلماء الفرنسيين في مجال الرياضيات والفيزياء النظرية وأحد فلاسفة العلوم فكانت تجري له أمور غريبة منها أنه دعا قوماً إلى وليمة في داره، وضرب لها الساعة السابعة موعداً، فلما حل الموعد وجاء القوم، كان مشغولاً، فدعوه فلم يسمع، وألحوا عليه فلم ينتبه، وكانوا يعرفون شدة انشغاله بالعلم، فأكلوا وانصرفوا، وقام بعد ساعتين فأمَّ غرفة المائدة، فرأى الصحون الفارغة والملاعق المستعملة وبقايا الطعام، فجعل يفكر: هل أكل هو مع الضيوف أم لم يأكل؟ ثم غلب على ظنه أنه أكل فعاد إلى عمله، من دون أن يأكل ولا لقمة.

ومن غريب القصص ما كان يجري لأمر الله أفندي العالم التركي المشهور، وقد كان يركب البحر كل يوم ما بين داره في اسكدار وعمله في إسطنبول، فركب يوماً وكان إلى جنبه موظف كبير في السفارة البريطانية، وكان في جيبه فستق حلبي، وكان أمر الله أفندي مشغول الفكر، فجال بيده وهو لا يشعر، فسقطت في جيب البريطاني، ووقعت على الفستق فأخرج منه فأكل، وظن الرجل أنه مزاح، فسكت، لكن أمر الله أفندي عاد وأوغل في الأكل حتى كاد يستنفد الفستق كله، وكان الفُلْك مزدحماً ما فيه مفر للبريطاني من هذه الورطة، فأحب أن يتلطف بأمر الله أفندي حتى يكف، فسأله: كيف وجدت الفستق؟ قال: (عال!) وعاد إلى تفكيره وأكله؛ فقال له: لكن ليس في جوار الدار مثله اشتريته للأولاد، وإذا دخلت عليهم من غير فستق بكوا، قال أمر الله أفندي: (عجيب)! وعاد إلى الأكل والتفكير، فقال له: أفلا تتكرم بإبقاء شيء لهم؟ قال: (بلى، بكل امتنان)، وأخرج طائفة من الفستق فدفعها إلى الإنجليزي وأكل الباقي!
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"