احموا لغتنا العربية من هؤلاء..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

.. احموا لغتنا العربية من هؤلاء..

من مذيع يقول بكل ثقة بنفسه وبمظهره التلفزيوني.. إن القتال «طويلاً» على الجبهة، وقد غادر أكثر من «عشرون ألف» إلى الحدود، وامتدت طوابير «المهاجرون» إلى مسافات طويلة، وأجبرت الحرب بعض «المواطنون» على البقاء في منازلهم.. 

الفقرة المحطّمة هذه أنقلها إلى القارئ الكريم بتصّرف محدود في الخبر بعيداً عن تفاصيله، ولكن هذه الفقرة وغيرها أو ما هو شبيه بها ترد يومياً في نشرات الأخبار التلفزيونية، بخاصة، حين يكون الخبر على الهواء مباشرة، حيث تتوسع دائرة تحطيم اللغة، ويتسع محيط تعميم الأخطاء..

احموا لغتنا العربية من شاعر يطبع كتباً مملوءة بالتكسير في النحو، واللغة، والبلاغة، والوزن، ويصلح أن يُسمي «مجموعته الشعرية» ب «المذبحة»، أو «المجزرة»، وإذا أردت أن تستطرد في مثل هذه الأسماء، فمن المضحك حتى السخرية أن تقرأ في أحد الشوارع لافتة محل قصابة وقد كتب عليها: «ملحمة الشعب»، أو «مجزرة الأمل»، واللغة لا تتجزأ، فكما يتحطم الفعل والفاعل والمفعول به، تتحطم أيضاً اللغة، ويتكسّر المعنى.

.. احموا لغتنا العربية من ناشر يصدر كتباً شبعانة بالأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، والحروفية.. لمجرد أنه حصل على مبلغ محترم من كاتب مُعَيّن يهمه في الدرجة الأولى أن يصدر كتاباً ولو على جثة اللغة.

.. احموا لغتنا العربية من صحفي «لا يقرأ، ولا يكتب».. كيف يحدث ذلك؟ نعم يحدث ذلك في زمن المادة الكمبيوترية الجاهزة، وفي زمن ال «P.R» الجاهز، والوجبات المعلوماتية الجاهزة، والأسوأ من ذلك، تلك المقولة الفورية لبعض الصحفيين.. إن الصحفي ليس مطلوباً منه أن يكون مدققاً لغوياً «سيبويه»، وهذا صحيح، ولكن، في الوقت نفسه، مطلوب من الصحفي أن يكون اسمه عزيزاً عليه، فيحفظه من الجهل والخفة واللامبالاة.

.. احموا لغتنا العربية من مترجم مرتزق، سريع، ببغائي في كل أحواله، ما إن يصدر عمل روائي عالمي مثل روايات نوبل مثلاً حتى يسارع إلى الترجمة التجارية، السريعة، المسلوقة ليسجل سبقاً بين دور النشر، وليقبض من أكثر من ناشر متسرّع هو الآخر.

.. احموا لغتنا العربية من جيل الإعلاميين السطحيين المشتغلين في البرامج المنوعاتية الموجهة عادة إلى الأطفال وربات البيوت اللواتي لم يحظين بنصيب من التعليم، إذ يبث هؤلاء طبقة من الخطاب اليومي الذي يستقبله الطفل وتستقبله المرأة في ساعات الفراغ الطويلة، والملل الطويل، وفي أثناء ذلك، تتمدّد اللهجات الشعبية العابرة للحدود العربية بمكياجها الصوتي والأدائي والإيقاعي من بيروت إلى القاهرة إلى دمشق إلى القيروان، بكل أناقة ووسامة.. 

.. احموا لغتنا العربية من فرانكفوني استعراضي أو «فرانكو آراب» متحذلق.. احموها من الهجيني، والتوليدي، والتغريبي، والتسويقي، الذي يتاجر باللغات بالخطورة نفسها التي يتاجر بها.. بالممنوعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"