الشارقة: مها عادل
يعتبر الفيلم الهندي «تريبل آر» الذي طرحته شركة «فارس فيلم» مؤخراً في دور السينما بالدولة، حالة سينمائية فريدة تضافرت فيها كل عناصر التميز والإبداع، بداية من الفكرة الملحمية وتوظيف الأبطال في أدوارهم بدقة وبراعة تحسب للمخرج المخضرم راجامولي الذي نجح في تقديم 3 ساعات من الإبهار والتشويق والمتعة والإثارة، تتخللها استراحة قصيرة لالتقاط الأنفاس، ثم يعود ليزيد من دهشة المشاهد الذي يبقى متلهفاً لمعرفة تفاصيل القصة المثيرة المفعمة بأجواء «الأكشن» والحركة.
ومن أهم عناصر الإبهار في الفيلم تقديمه بتقنية «3D» التي تنقل المشاهد إلى داخل أحداث الفيلم بطريقة مذهلة ليجد نفسه مشاركاً ومتفاعلاً مع الأحداث. ويبدو أن تقديم هذه القصة الملحمية التي تتناول حقبة تاريخية هامة في الهند قبل الاستقلال، وصراع الأبطال من اجل الحرية، باستخدام هذه التقنية ثلاثية الأبعاد الحديثة، كان اختياراً موفقاً للغاية، ومنحت التقنية لأحداث الفيلم القديمة المزيد من الحيوية والواقعية والحداثة، وجسدت المعارك والمطاردات بشكل بارع يخدم متعة المشاهدة، كما تميزت الحبكة الدرامية للفيلم بالتزامها بشكل كبير بالتفاصيل وملامح شخصية الفيلم الهندي التقليدية، والتي حققت لصناعة أفلام «بوليوود» شعبية واسعة في كل أنحاء العالم، وميّزتها عن أي مدرسة سينمائية أخرى في العالم، فتوليفة الفيلم الهندي الأساسية تقوم عادة على المزج بين المشاعر الصريحة، والاستعراضات المبهرة، والمناظر الطبيعية الخلابة التي عادة ما يتم اختيارها بعناية تزيد من متعة المشاهدة، إلى جانب عنصر الدهشة في التصاعد الدرامي الذي يغلف أحداث القصة ونهايات الأفلام الهندية بشكل عام، ويعتبر فيلم «تريبل آر» من الأفلام التي برعت في توظيف هذه «الخلطة السينمائية الهندية» التقليدية، مع إضافة حداثة الإمكانات والإنتاج السخي، والابتكار في اختيار زوايا التصوير من أعلى، ومن زوايا مختلفة، قريبة وبعيدة، وتنفيذ الخدع البصرية والصوتية بمهارة تحسب لصناع الفيلم، إلى جانب التحكم الكامل في عناصر التشويق والإثارة طوال مدة الفيلم،خاصة في تنفيذ المعارك الضارية والمطاردات المحمومة التي تزيد تقنية البعد الثالث من قدرتها على الإبهار، وتكسب الفيلم طابع الأكشن بامتياز، فهناك مطاردات بين البطل والذئب أو النمر، ومشاهد أخرى يستخدم فيها المخرج الحيوانات المفترسة كوسيلة لدعم البطل في معركته ضد الطغاة، وغيرها الكثير من المشاهد التي تنجح في أن تحبس أنفاس المشاهدين من مختلف الأعمار، فهذا الفيلم «تريبل آر» يعتبر نزهة سينمائية عائلية مبهرة بامتياز، فالفيلم يستطيع أن يصحب المشاهد في رحلة ملحمية من الصراع من أجل الحق والحرية والعدالة مع جرعة لا يستهان بها من المشاعر الإنسانية والعلاقات العاطفية التي تأسر القلوب، وتنقل المشاهد في عالم موازٍ من السحر والجمال والإبداع، حيث ينتصر الحق والخير رغم المعاناة والصعوبات وبالتأكيد يخرج المشاهد مهما اختلف عمره وثقافته، بحالة حقيقية من الترويح عن الذات وإعمال العقل ويذهب لبيته وهو قابض على مخزون كبير من الطاقة الإيجابية والتفاؤل.
التحكم في الإيقاع
من أهم الأدوات التي تدلل على مدى براعة الصنعة السينمائية في العمل الفني، هي قدرة المخرج على التحكم في إيقاع الفيلم، حيث نجح المخرج، رغم طول مدة الفيلم، في أن يحافظ على الإيقاع المتسارع من دون أن يصاب المشاهد بدقيقة واحدة من الملل، فيقدم 3 ساعات متواصلة من التشويق والإبهار، كما يعد توظيف آلية الفلاش باك في الفيلم بشكل منطقي وممنهج من مميزات السيناريو التي استخدمها المخرج لربط المشاهد بأبطال الفيلم، والتعرف إلى خلفياتهم ودوافعهم عبر العودة المحسوبة لفترة طفولتهم وذكرياتهم التي شكلت شخصياتهم، وكوّنت أهدافهم، واستخدام تقنية ال«3D» زادت من القرب والحميمية بين الممثلين والمشاهدين، لدرجة قد تجد بعض الحضور يرفع ذراعه لمساعدة أحد الأبطال الذي يمر بأزمة، أو قد تجد طفلاً يحمي رأسه خوفاً من النمر العملاق الذي يراه يقفز فوقه تماماً في قاعة السينما.
متعة المشاهدة
ساعدت تقنية ال«3D» في إبراز عناصر الإبهار في الفيلم بشكل أفضل، الأمر الذي عزز من متعة المشاهدة، فالفيلم أجاد استخدام آليات الإضاءة والتصوير الليلي والتصوير تحت الماء، وفوق قمم الجبال، وعلى أغصان الأشجار العالية في الغابات، وهكذا لعب توظيف الخلفيات والمناظر الطبيعية، والبيئة التي يتم التصوير فيها، دوراً مهماً في نقل المشاهد من حالة إلى أخرى بسلاسة ومتعة ضاعفت منها المؤثرات الصوتية المجسمة، والاستعراضات الغنائية الراقصة والمبهرة بإيقاعاتها الصاخبة والمرحة وألوانها المفعمة بالحيوية والإبهار.
وفي النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول إن هذا الفيلم الملحمي المشوق مناسب لكل أفراد الأسرة، لأن كل فرد سيجد فيه ضالته المنشودة إلى جانب أن الفيلم يقدم مجموعة ثرية من القيم الإنسانية الهامة، مثل الحرية والنضال والدفاع عن الوطن والتضحية من أجله.
