عادي
مفاهيم كونية في القرآن

«وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ»

22:51 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *

1): «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ» سورة النور 41 (فيه تغليب العاقل) عند المحدثين وهو صحيح مع اتباع غير العاقل به كما في تفسير مختصر ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه يسبّحُ له من في السماوات والأرض أي من الملائكة والأناسي والجان والحيوان حتى الجماد، كما قال تعالى: (2): «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ» الإسراء 44 إذ في تفسير آية الاقتباس المتضمنة نرى منح السماوات السبع والأرض سعة التشخيص البلاغية، أي أخذت صفة العاقل بتسبيحهما لله، إلا أن جملة «ومن فيهن» مقصورة على العقلاء ترجيحاً ملزماً ولا ضير من إلحاق الحيوان والنبات والجماد بأولئك العقلاء، بيد أن ما يهمنا هنا هو وجود (أناسيّ) في غير الأرض ضمن إشارة هذه الجملة. وفي آيات النوع الثاني نقرأ: (3): «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»ٌ النور 45. «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ» سورة الشورى 29، إذ يذهب المفسرون إلى معنى «من دابة»: هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم ثم في تفسير جملة «وهو على جمعهم»: للحشر، «إذا يشاء قدير»، في الضمير تغليب العاقل على غيره، وفي مختصر ابن كثير يقول: «وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات، على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وقد فرّقهم في أرجاء أقطار السماوات والأرض». الحظ الجملة الأخيرة:«وقد فرّقهم في أرجاء أقطار السماوات والأرض» وما تؤكده من مضمون استنباطي كبير بوجود حياة عاقلة في غير الأرض ولكن من دون تحديد المكان، إلا أنه في «تحديث» من نوع آخر نقرأ هذا التعقيب على الآية نفسها: «فالسماوات لعله هنا يريد بها السيارات والدليل على ذلك قوله تعالى: «وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ» فالسماوات الأثيرية ليس فيها دواب وكذلك الغازية وإنما الدواب في السماوات المادية وهن السيارات» ثم يتقدم «المعقب» نفسه فيقول «السيارات مسكونة: إن الكواكب السيارة أراض كأرضنا هذه وفيها جبال وبحار وأنهار وأشجار وبساتين وغير ذلك مما في أرضنا، وفيها حيوانات وأنواع البشر يعقلون ويعبدون الله، كما في سورة الروم 26: (4): «وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ». وفي سورة الرعد 15: (5): «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ». وقد سبق القول بأن السماوات والأرض يريد بها الكواكب ومايماثلها من أجرام سماوية أخرى.

في الواقع المتحقق عياناً ومباشراً بالأرصاد الفلكية والفضائية، فإننا نجد المركبات والتلسكوبات الفضائية والتحاليل المختلفة، حتى إن الإنسان قد عجز عن إيجاد دليل عملي واحد على وجود «أبسط» صورة للحياة، وليس الأناس والحيوان والبساتين...إلخ، في أي كوكب من كواكب المجموعة الشمسية التي نعيش على واحد منها (الأرض) بل على أفضلها وأكرمها عند الله ذكراً وتمجيداً بسبب اختلافها عن تلك الكواكب بوجود الحياة من أدنى أنواعها حتى أرقى هذه الأنواع متعايش على علائق داخلية متعددة الصور والأشكال بقوانين التوازن الطبيعي والتوازن البيئي. ولو ذهب التفسير إلى تعميم الكواكب إلى خارج مجموعتنا الشمسية على سبيل الاحتمال الواقعي في ظل الدليل اللغوي لكان صحيحاً تماماً، لأن الاستنتاج لن يكون ضيقاً بحدوده داخل المجموعة الشمسية حسب، بل إلى كل كواكب الكون، وإلى أن يصل الإنسان إلى إدراكها يتعين علينا معرفة كثير من الأمور تعزيزاً لمبدأ الاستفادة من اللغة في فهم الكون ومحتواه، من هنا فإن الحماس والتفاؤل بعيداً عن واقع العلم وثوابته لا يعد إنجازاً بحثياً.

في تفسير «مَنْ» طبقاً ومن وجهة نظر الفيزياء الفلكية نبدأ من السؤالين الآتيين:

1. هل نكون بمفردنا في هذا الكون الشاسع؟ وهل من أحياء في مكان آخر منه؟

2. إن وجد أحياء فلماذا لم تحدث الاتصالات بيننا وبينهم.

للإجابة عن السؤالين أعلاه لنقرأ مقال الغد بعونه تعالى.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"