البحث عن السلام

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

مذ وُجد الإنسان على الكرة الأرضية، وقضية السلام تشكّل له هاجساً يفوق غرائزه ودوافعه كافة، لا سيما حين ارتضى العيش في مجتمعات وضمن جماعات وتخلّى عن فرديّته، وأصبح كائناً مرتبطاً بالآخر في عيشه وخططه واستراتيجياته وطموحاته، لكن حرصه على خصوصيته وشخصيته وتقاليده وعاداته ومعتقداته يثير من وقت لآخر فردانيته، ورأى أنه حتى هذه الفردانية والخصوصية لا يمكن تحقيقها إلا باحترام خصوصية الآخر، لهذا، فإن تحقيق سلامه، كما اكتشف لاحقاً، يعتمد على احترام خصوصية الآخر ومكوّناته الشخصية، ومن هنا نشأت فكرة أهمية العمل الجماعي لتحصين الأمن الفردي، سواء كان هذا الفرد شخصاً أو دولة أو تحالفاً.
 ومن هنا أيضاً، برزت فكرة مهمة جداً على الصعيد المعرفي والإنساني، تتمثّل في عدم اللجوء إلى الإلغاء والمحو والاستبعاد، لأن مجرّد التفكير بها سيقود إلى الحروب والنزاعات الفردية والجماعية، التي تقود بلا أدنى شك، إلى إحداث الدمار الشخصي والجماعي بنسب متفاوتة، ذلك أن الطرفين، المنتصر والمهزوم، خاسران بشكل أو بآخر، ويجب ألا يكون معيار من خسر أقل من الرابح أو المنتصر، ومن خسر أكثر هو المهزوم، ومن هذا المنطلق كان السلام نشيد الإنسانية الأسمى، وكان من يسعى لافتعال الحروب هو الطرف الخاسر، لأنه سيُواجه بتحالفات تؤمن بالفكرة الإنسانية الخالصة المتمثلة بالسلام.
 الحديث ليس إنشائياً مُطلقاً، وليس من باب اللغة الترفيهية، لأن العالم لو أحصى ما تكبّدته البشرية من ضحايا، عبر حروبها التي تستّرت وراء الأفكار السياسية والعقائدية والمصالح الاقتصادية، سيجد أن الأرض أشبه بمقبرة كبيرة يتجوّل بينها الأحياء. فقد راح ضحية الحرب العالمية الأولى قرابة 10 ملايين عسكري و7 ملايين مدني، بينما كانت الحرب العالمية الثانية أكثر شراسة، وراح ضحيتها من المدنيين بين 40 إلى 52 مليون نسمة، وقدرت الخسائر بين العسكريين بين 22 و25 مليوناً، بمن فيهم خمسة ملايين ماتوا في الأسر.
 ولو رصدنا ضحايا الحروب الأهلية والحروب التوسعية التي كان هدفها إنشاء الإمبراطوريات لوجدنا مئات ملايين الضحايا، فقد راح، على سبيل المثال، في الحرب الأهلية الصينية حوالي 8 ملايين إنسان، أما الحروب التي نشبت بين السلالات الصينية فراح ضحيتها حوالي خمسين مليون إنسان، أما الغزوات المغولية في القرن الثالث عشر التي هدفت إلى تأسيس الإمبراطورية المغولية، فقد أدت إلى قتل حوالي 55 مليون إنسان، بينما أدت الحروب الصليبية إلى مقتل حوالي ستة ملايين إنسان، إضافة إلى حروب أهلية سادت معظم بلاد العالم وقتلت ملايين البشر.
 لقد استُخدمت في تلك الحروب أسلحة تقليدية، فما بالنا اليوم ونحن نعيش عصراً نووياً بامتياز، فقد قسّم تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام 2021، ممتلكي القنبلة النووية إلى قسمين، الأول الدول التي تعترف بامتلاك السلاح النووي وهي: روسيا (6255 قنبلة نووية)، الولايات المتحدة الأمريكية (5550 قنبلة نووية)، الصين (350 قنبلة نووية)، فرنسا (290 قنبلة نووية)، المملكة المتحدة (225 قنبلة نووية). أما الدول النووية التي لا تعترف بامتلاك السلاح النووي فهي باكستان (تمتلك 165 قنبلة نووية)، الهند (156 قنبلة نووية)، إسرائيل (90 قنبلة نووية)، كوريا الشمالية (40-50 قنبلة نووية). ولو وقعت حرب واستُخدم فيها السلاح النووي، فلا شك أنها ستبيد ثلاثة أرباع البشرية على الأقل، إضافة إلى الخراب العمراني وعودة العالم إلى العصر الحجري، ولن يكون هناك أي منتصر، فالكل خاسرون لا محالة. 
 ويبدو أن بعض «المجانين» يهددون باستخدام السلاح النووي إذا ما نشبت حرب عالمية، ما يعني أن النتائج ستكون كارثية. السلام رسالة ربانية، ووجود الإنسان على الأرض له دور تنموي وعمراني، فلماذا يحوّله إلى دور دموي؟ حفظ الله البشرية من المحن ما ظهر منها وما بطن.. وتقبل الله صيامكم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"