روسيا والمشروع النووي الأوكراني

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

ما من شك في أن لروسيا معلومات دقيقة عن البرنامج النووي الأوكراني الذي تجدد العمل عليه، بمساعدة دول الغرب، بعد عقود من الاتفاق بين موسكو وكييف على تسليم السلاح النووي السوفييتي، مع «ضمان» الدول الموقعة على «مذكرة بودابست» أمن أوكرانيا. من غير الممكن أن نتخيل، ولو لحظة، أن مثل هذا البرنامج سيكون محجوباً عن العِلْم الروسي بأمره، وربما بتفاصيله الدقيقة؛ إذ الأمر في هذا الشأن يتعلق بمسألة في غاية الحساسية والخطورة بالنسبة إلى الأمن القومي الروسي، ولن يكون عصياً على نظام الاستخبارات الروسية أن يضع يده على المعلومات الخاصة بأي برنامج نووي، فكيف إذا كان في جوار روسيا، وفي بلد كان من جمهورياتها السوفييتية، ولها فيه بقايا نفوذ مستمر؟
   ما يزيد من هجس روسيا الأمني تجاه البرنامج النووي الأوكراني أن هذا البرنامج مشمول بالمساعدة الغربية، والأمريكية على نحو خاص، وأن الشراكة الغربية فيه ترفع أي إبهام حول دوافعه والأغراض من استئنافه، وتضعه في خانة أدوات القوة المحشودة على جوار روسيا للاستخدام ضدها. ولا يعني موسكو، كثيراً، أن تتوقف أمام حالة الإنكار التي تبديها كييف، حين تنفي نيتها في استخدام مفاعلاتها النووية لإنتاج سلاح ذري (على الرغم من تصريح رئيسها زيلينسكي، في مؤتمر ميونيخ للأمن، بإمكانية حصول أوكرانيا على أسلحة نووية إنْ لم تتلق حمايةً من الغرب). أما عدم اهتمام روسيا بالنفي والإنكار فليس فقط لأن موسكو تعتقد أن قرار كييف ليس بيد النظام السياسي القائم فيها، وإنما لأنها - أيضاً - «اختارت» الانحياز إلى معسكر الغرب ضد روسيا حين شرعت في التصريح برغبتها في الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي».
  لقد اعترف تقرير نشرته «واشنطن بوست» عن مفاعلات أوكرانيا النووية، وعن احتمالات الخطر التي تعرضُها لها العملية العسكرية الروسية، بوجود خمسة عشر من المفاعلات في مناطق مختلفة من البلاد، أكثرها (ستة مفاعلات) في زاباروجيا، وبعضها في الجنوب الشرقي بين كييف وأوديسا، بينما كان اثنان آخران في طور البناء في خميلنتسكي في غرب أوكرانيا. وقد اعترف زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، في تصريح له على الفيسبوك، بامتلاك بلاده هذه المفاعلات الخمسة عشر من دون أن يأتي بذكر على المفاعليْن اللذين يجري تشييدهما في الغرب الأوكراني، ولا عن تخطيط أوكرانيا لتشييد أحد عشر مفاعلاً نووياً جديداً، بمساعدة دول غربية، قبل العام 2030.
  من النافل القول إن أكثر تلك المفاعلات القائمة في أوكرانيا هو مما أقامه الاتحاد السوفييتي فيها، بحسبانها جزءاً من أراضيه. وبقي بعد استقلالها، يُسْتخدم للأغراض السلمية مثل إنتاج الطاقة الكهربائية. أما الألف وسبعمائة رأس نووي المنشورة والمخزنة في أوكرانيا، غداة حل الاتحاد السوفييتي، فكانت روسيا هي من يسيطر عليها عملياً، ويملك خبرة استخدامها. ولو لم تكن كييف قد دمرتها طوعاً، لتدخل في نطاق معاهدة عدم الانتشار النووي في العام 1994، لما كان لها أن تستفيد منها لعدم امتلاكها التقنيات النووية. ومع أن أوكرانيا ظلت ترث عن عهدها السوفييتي مفاعلات لإنتاج الطاقة النووية، ومراكز للبحوث النووية، إلا أنه كان معلوماً عند روسيا، ولفترة طويلة، أن أوكرانيا لا تمتلك القدرة ولا الإمكانيات لتخصيب اليورانيوم.
  سيختلف الأمر بعد أن بدأت النخب السياسية الأوكرانية الموالية للغرب تتقاطر على السلطة في كييف، في امتداد «الثورات» البرتقالية، وخاصة بعد انقلاب العام 2014 على نظام فيكتور يانوكوفيتش، وحين بدأت تجاهر بالعداء لروسيا وبرغبتها في الصيرورة جزءاً من المنظومة العسكرية والاقتصادية الغربية. لم يعد أمام روسيا، حينها، سوى أن تضع في حسبانها احتمال اندفاع أوكرانيا نحو تطوير برنامجها النووي بمساعدة أجنبية. وحين دخلت قواها إلى شرق أوكرانيا، كانت السيطرة على مفاعل تشيرنوبيل وعلى المفاعلات الستة في زاباروجيا من أول أهدافها للتأكد مما إذا كان فيها نشاط مريب يخالف أحكام «مذكرة بودابست»، الموقعة في ديسمبر 1994، التي تقضي بانضمام أوكرانيا إلى معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.
  والمفارقة أن زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، يبرر حق بلاده في أن تصبح قوة نووية بذريعة أن الهجوم الروسي على أوكرانيا، وعدم دفاع الغرب عنها، ألغى مفاعيل «مذكرة بودابست» وبالتالي، فإن ذلك يفتح الباب أمام الحق في توفير كييف أمنها الذاتي بنفسها ما دامت الضمانات الأمنية الأمريكية - البريطانية في المذكرة لم تترجم نفسها في مواجهة أوكرانيا للزحف الروسي. ومن البين أن في هذا الخطاب كبير مبالغة، لأن المذكرة لا تنص على تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا - لقاء انضمامها - بل تنص فحسب على الاعتراف لها بسيادتها واستقلالها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"