بين السياسة والنجومية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

تطرح التطورات الأخيرة التي أدت إلى عزل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن رئاسة الحكومة قضية العلاقة الشائكة وشديدة التعقيد بين تأثيرات عقلية النجم الجماهيري وأدائه السياسي في مسرح مملوء بالتناقضات والمهام الكبيرة والخصوم الأقوياء، أو يمكن الحديث باختصار عن علاقة النجومية بالسياسة ومدى تأثيراتها الإيجابية والسلبية في عوامل النجاح والفشل.
   ولم تكن مشكلة عمران خان الرئيسية ناجمة عن كونه قادماً جديداً من خارج المؤسسة السياسية الراسخة في باكستان. لكن المشكلة أن هذا القادم الجديد كان يستند إلى شعبية جماهيرية جارفة تضعه في مكانة المخلص والمنقذ، بينما كان من الناحية الواقعية مفتقراً إلى الخبرة الكافية في إدارة الصراعات الظاهرة والخفية على سطح المحيط السياسي، ويفتقر أيضاً إلى امتلاك البرامج والخطط والقدرات التي تمكّنه من تنفيذ برنامجه الانتخابي على الأرض.
  وغني عن القول أن البقاء على سدة القيادة السياسية يحتاج إلى قدر من النجومية والكاريزما الشخصية للقادة والزعماء، كي تساعدهم في الحصول على الولاء الشعبي وإبقائه في حال استعداد لدعمهم في أوقات الحاجة والأزمات. فالولاء الشعبي للسياسيين أمر مكتسب، وفي العادة فإن قيادات وكوادر الأحزاب والمنظمات السياسية تكتسب هذه النجومية النسبية عبر صيرورة طويلة الأمد في خضم العمل السياسي، يكتسبون خلالها الخبرات والفنون الضرورية للبقاء والاستمرار.
  لكن انعطافة عمران خان إلى السياسة جاءت بعدما كان كرّس بالفعل نجوميته، وبشكل لا يقبل المنافسة، وأصبح نجماً شعبياً وبطلاً قومياً. غير أنه فعل ذلك في حقول الرياضة البعيدة تماماً والمختلفة عن طرق إدارة هيكل الدولة والتحكم في أجهزتها الضخمة والهائلة، والعمل مع ذلك لتحقيق إنجازات ظاهرة تحافظ على مسيرته وبقائه في قلب الأحداث المتقلبة والمنافسات المحتدمة وتحوّل الولاءات.
  جاء عمران خان إلى السلطة محمولاً على أشواق ملايين الناخبين الذين يحدوهم الأمل بانتصارات البطل الذي تعهد بمكافحة الفساد في أجهزة الحكم والدولة، وبنصر الفقراء، ويعزز بناء اقتصاد مزدهر، وبلد قوي يحظى بالاحترام الدولي. وفي الأغلب، فإن خان كان صادقاً في كل هذه التعهدات، وربما كان أيضاً موقناً بإمكان تحقيقها من خلال إدارة حكومية نزيهة وبعيدة عن شبهات الفساد.
  لكنه فوجئ بعد فترة قليلة من تسلّمه السلطة بانشقاق بعض حلفائه في الائتلاف الحاكم، وتزايد مشاعر الاستياء بين الكثير من الباكستانيين بسبب ارتفاع التضخم، وعجز الموازنة، والتصورات بأنه فشل في الوفاء بوعوده الانتخابية باستئصال الفساد. وكانت قيادة المعارضة جاهزة لاستثمار هذا التحول في اتجاهات الرأي العام لمصلحتها.
  وقد برزت مشكلة تفوّق طهرانية النجم الشعبي وقلة خبرته في إدارة الصراع على عقلية السياسي المتمرس. خصوصاً في أيام الأزمة الأخيرة والحاسمة. فقد كان بإمكانه أن يتقدم باستقالته في وقت مبكر ويقطع الطريق على أي نجاح للمعارضة في عزله عن السلطة عبر تصويت حجب الثقة في البرلمان. لكنه أخفق في قراءة اتجاهات الأحداث. وفي المقابل شعر بالغضب وقرر خوض مواجهة خاسرة انتهت بانتصار خبرة الخصوم على طهرانية النجوم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"