مفارقات الدبلوماسية البيتهوفنية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل نقول: لا يُصلح الفن ما تُفسده السياسة؟ للفن أن يقول: خسرت معركة، ولم أخسر الحرب. لكن الفن حين يصنع السلام منذ البداية، لا يدخل الحرب أصلاً، لذلك هو ينتصر، حتى حين تلوح أحياناً أن انتصاراته حجبها ذرّ الرماد في العيون. صحيفة «ذو جارديان» البريطانية (9 إبريل) نشرت مقالاً وثائقياً تحت عنوان: «كيف ألهم بيتهوفن 50 سنة من المبادلات الثقافية بين الولايات المتحدة والصين».
بعد زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين (فبراير 1972)، طلب التنين من وزير الخارجية هنري كيسنجر أن تكون لأوركسترا فيلادلفيا السيمفونية جولة عروض في الصين لمدة أسبوعين. الثورة الثقافية كانت في أوجها، لذلك تطلب الاتفاق على الأعمال التي ستؤدى «مفاوضات» طويلة. اكتشف الصينيون آنذاك الموسيقى الكلاسيكية من خلال أعمال لبيتهوفن، شوبرت... وحدث لهم ما يسميه الفرنسيون: «ضربة الصاعقة»، الحب من أوّل نظرة. لم يكونوا من قبل يعرفون الموسيقى السيمفونية.
هو ذا منطلق الفرس، فماذا عنهم اليوم؟ نيكسون وضع حجر الأساس، فإذا لديهم اليوم، دون كل بلاد الأرض، خمسون مليون طفل يدرسون البيانو. في كل تاريخ الصين، لم يكن للبوليفونية (تعدّد الأصوات) وجود. كانت لهم أجناس موسيقية تقليدية جدّاً، شديدة الارتباط بالمقطوعات الشعرية، لكن كانت لهم أيضاً أعمال موسيقية مستقلّة عن الكلمات. فكيف انطلقوا بمنهجية أكاديمية، تبدأ منذ الطفولة، وتقوم على البيانو أساساً، فينشأ الطفل وكأنه رضع الهارموني في الحليب. من الصعب أن تنصهر مهجة ابن ثلاثين في أجواء الموسيقى السيمفونية، مباشرة بعد ثلاثة عقود من معزوفات المقام الخماسي والآلات التقليدية بإيقاعاتها البطيئة، ذات الدرجات الصوتية التي تكاد تكون مقطّعة متباعدة، وهي شبيهة بالإيقاعات البطيئة في الموسيقى التركية التقليدية، مع تردّد التركيز على درجة الارتكاز. لك أن تتذكّر الأغاني المصرية في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين.
المهم في الصروح الفنيّة هو متانة الأسس والبنى التحتية. عندئذ لا شيء غير الارتقاء إلى القمم الشمّاء. عندئذ لا تستطيع بعد الدعائم الذهبية أن تكمل بالخردة. حين ينشأ الأطفال على البنى الأكاديمية، تستهزئ أذواقهم وفكرهم الموسيقي بالغش والقش. اليوم فرقهم الموسيقية لها انضباط فريد وإدارة فائقة، تشكيلات متناغمة متناسقة من صينيّة وغربية، تقنيات عالمية، وأصالة صينيّة في المقام الخماسي وغيره.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: لدى الصين استراتيجية موسيقية عالمية، ليست بالمصادفة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"