لوبان تفوز وإن خسرت

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

تتكرر المواجهة الكلاسيكية بين اليمين المتطرف وقوى الوسط واليسار في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتشاء صناديق الاقتراع أن ينازل الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، زعيمة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبان التي تخوض آخر منافسة، حسب وعدها، وتأمل أن تحصل خلالها على نتائج تاريخية لم يحققها اليمين المتطرف مطلقاً في السباق إلى الإليزيه.
استطلاعات الرأي تؤكد أن ماكرون سيفوز بولاية ثانية بأغلبية 51%، وهي نسبة ستكون هزيمة سياسية أكثر منها انتخابية، فليس هناك تقريباً من يتوقع فوز لوبان، إلا إذا حدثت معجزة أو تزوير، وكلاهما شبه مستحيل في فرنسا، لكن النتيجة المتوقعة ستكشف عن أزمة عميقة في قوى الوسط واليسار التي ظهر أنها تفتقد إلى الزعامات ذات الكاريزما الحزبية القادرة على استقطاب فئات المجتمع المختلفة، وهذه الأزمة ازدادت تعقيداً مع البيئة الأوروبية العامة التي تتضرر بشدة، جراء الأحداث الجارية في أوكرانيا، وبفعل تداعيات أزمات «كورونا» و«بريكست» البريطاني، والخلافات التجارية بين دول الاتحاد الأوروبي. 
وبفعل ما بات يوصف ببوادر «الصحوة الألمانية» التي تخطط لإعادة برلين إلى المسرح الدولي بعد التحرر من أغلال الاستسلام في الحرب العالمية الثانية. كل هذه العوامل تجعل من الفرنسيين  من مختلف الطبقات الاجتماعية والتوجهات السياسية  ينظرون من حولهم ويسعون إلى استطلاع مآلات الأوضاع، مدفوعين بقناعات تؤكد أن العالم يتغير، وأوروبا نفسها ربما لن تشبه ذاتها بعد سنوات قليلة، بفعل الإرهاصات الكبيرة للحرب الأوكرانية التي لن تنتهي بما تتمناه القوى الغربية.
الفرنسيون الذين يخشون صعود اليمين المتطرف إلى سدة الإليزيه، يواجهون لحظة صعبة بالنظر إلى التصدّع الكبير في التيارين التقليديين، وهما الحزب الاشتراكي، والحزب الجمهوري اليميني، اللذين هيمنا طويلاً على الجمهورية الخامسة منذ 1958. 
وهذا التصدع والتشتت والضعف كان نتيجة طبيعية لضرب الأحزاب التقليدية الذي تجلى بقوة في انتخابات 2017، عندما أنشأ ماكرون حركة «إلى الأمام» التي فاز بها في الانتخابات، وأصبح أول رئيس لا ينتمي إلى أي من الحزبين التقليديين. لكن بالمقابل حافظ اليمين المتطرف، بزعامة لوبان، على زخمه ولم يَحِدْ عن توجهاته الكبرى ونجح في استمالة طائفة من أقصى اليمين، كما استفاد من الأزمات الأخيرة، وأهمها  على الإطلاق  الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الطاقة وارتفاع الأسعار ومشكلة اللاجئين. 
وفي خضم هذا المعترك المتعدد الأبعاد، تلعب لوبان على وتر شريحة فرنسية واسعة «ديغولية الهوى» ترفض التبعية للولايات المتحدة أو أي قوة عالمية أخرى، وتريد الخروج من القيادة الموحدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما ترفض أن تكون العلاقة صدامية مع روسيا.
الأحزاب الفرنسية تلتف حول ماكرون لقطع الطريق على لوبان، ولكن النتيجة المؤكدة هي أن اليمين المتطرف حقق مكاسب تاريخية في هذه الانتخابات ولو خسر الإليزيه. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان هناك أكثر من مرشح لهذا التيار مثل أريك زمور، الذي أثار الجدل في أكثر من قضية. وهذه المكاسب ستتعزز بفعل الحرب في أوكرانيا التي غيّرت البيئة الأوروبية وطرحت أسئلة لم تكن مطروحة من قبل. ومن المفارقة أن أغلب الإجابات بحوزة اليمين المتطرف حصراً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"