مقصلة الفقر تتسع

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. كمال بالهادي

تشتدّ مشاكل الدول الفقيرة والنّامية، جرّاء تتابع الأزمات العالمية والإقليمية، ما يهدّد بتوترات اجتماعية قاسية نتيجة انحدار أعداد هائلة إلى مستوى الفقر وحتى الفقر المدقع.
 منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من سنة 2019، حيث ظهرت العلامات الأولى لوباء كورونا، والعالم يعيش على وقع تتبع الأزمات الكبرى التي أثّرت في النمو الاقتصادي ورفعت نسب التضخّم، والأخطر من ذلك أنّها باتت تهدد مصادر العيش، حيث تتفاقم أزمة نقص إمدادات الغذاء على مستوى دولي، كما تتعقّد مشكلة النقل البحري لتلك السلع، ما يجعل الدول الفقيرة غير قادرة عملياً على تأمين القوت لشعوب وأفواه جائعة. في صيف سنة 2020، أي في ذروة انتشار الوباء، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إنّ الجائحة يمكن أن تدفع نحو 50 مليون شخص إضافي نحو الفقر المدقع، إلا أنه يمكن تجنب هذه الآثار والآثار الأخرى الرهيبة لهذه الأزمة، إذا تحركت الدول على الفور لدعم الأمن الغذائي العالمي. أما أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، فإنّها باتت تمثّل قلقاً متزايداً بالنسبة لشعوب الدول الفقيرة لأنّ مصادر غذائهم الأساسيّة صارت تضيق يوماً بعد آخر. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الحرب في أوكرانيا تهدد بتدمير جهود البرنامج لتوفير الغذاء لحوالي 125 مليون شخص على مستوى العالم،لأن أوكرانيا انتقلت «من سلة خبز للعالم إلى بلد يقف مواطنوه في طوابير للحصول على الخبز». وعبّر برنامج الأمم المتحدة للتغذية بأنّ الحرب ستؤثر في مستويات الأمداد الغذائي العالمي لأن روسيا و أوكرانيا تستحوذان على ثلث السوق العالمية من إنتاج الحبوب و تصديرها، معتبراً أنّ ارتفاع الأسعار قد يكلف برنامج الأغذية ما بين 60 إلى 75 مليون دولار شهرياً لنفقاته التشغيلية، بسبب المستويات المرتفعة لتضخم أسعار المواد الغذائية.
 ويقرّ البنك العالمي في تقرير حديث له بأنّ مستويات التضخم عادت للارتفاع بقوّة في الأشهر الأخيرة، وهي ستزداد حدّة في المستقبل جرّاء الحرب في أوكرانيا. ويشير التقرير إلى أن 15 من أصل 34 دولة يصنفها تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي يصدره صندوق النقد الدولي على أنها اقتصادات متقدمة، كان معدل التضخم لمدة 12 شهراً حتى ديسمبر/ كانون الأول 2021 أعلى من 5%. ولا يقتصر هذا الارتفاع التضخمي على البلدان الغنية، فقد ضربت الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية موجة مماثلة، حيث تواجه 78 دولة من أصل 109 أيضاً معدلات تضخم سنوية أعلى من 5%. الواقع أن هذه الحصة من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (71%) أصبحت ضعف ما كانت عليه تقريباً في عام 2020. وعلى هذا فقد أصبح التضخم مشكلة عالمية، تزداد قسوة بسبب الحرب. و يحذّر الخبراء من أنّ العالم على شفا كارثة كبرى، عندما تتحوّل هذه المعدلات إلى الكتابة برقمين، أي ما يفوق 10 في المئة.
 وفي المنطقة العربيّة، يبدو الوضع أكثر سوءاً خاصّة في الدّول غير النفطية، ذلك أن مخلّفات وباء كورونا كانت كارثيّة بكل المقاييس، وزادت الحرب الأوكرانية الطين بلّة، ذلك أن عدداً من العملات العربية الوطنيّة تفقد قيمتها أمام الدولار وتنحدر إلى مستويات غير مسبوقة. وعن هذه التأثيرات يقول الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، إن خسائر الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المنطقة العربية الناشئة عن جائحة كورونا تقدر بنحو 221 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021. وإذا ما أضفنا إلى هذه الخسائر، تبعات الحرب في أوكرانيا، ستصبح الصورة أكثر قتامة.
 يوم الإثنين المقبل تنطلق اجتماعات الربيع السنوية التي يشرف عليها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وتحضرها طبعاً كلّ تمثيليات الدول الغنية الناشئة والفقيرة، ويبدو من المهمّ للجميع التفكير في حلول جذرية لأنّ السلم والأمن العالمييْن باتا مهدّديْن ب «مقصلة الفقر».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"