عادي
كتب عمله الأساسي خلال اشتراكه في الحرب العالمية الأولى

لودفيج فتجنشتين.. الفلسفة تبدأ من اللغة

23:55 مساء
قراءة 4 دقائق
2001

القاهرة: «الخليج»

أصدرت دار آفاق للنشر والتوزيع كتاب «رسالة منطقية فلسفية» للفيلسوف الألماني لودفيج فتجنشتين، ترجمة عزمي إسلام، ومراجعة د. زكي نجيب محمود، ويعتبر هذا الكتاب تعبيراً عن النتائج التي انتهى إليها بعد تفكير وبحث فلسفي استغرق نحو أربع سنوات، أو يزيد، إذ إننا نستطيع من مقارنة «الرسالة» التي ظهرت عام 1961 باللغة الألمانية، وكان فتجنشتين قد انتهى من كتابتها مخطوطة في أغسطس عام 1918 بمذكراته التي دوّنها بين عامي 1914 و1916، أن نتبين وجه الشبه الكبير بين أفكاره في كل منهما، خاصة بالنسبة إلى ما هو متعلق منها بالمنطق.

يمكننا أن نقول إن رسالة فتجنشتين كانت بمثابة الصياغة الأخيرة لأفكاره الفلسفية طوال هذه المدة بصفة عامة، بل كذلك في الفترة السابقة على عام 1914 ويتضح ذلك من مذكراته في المنطق التي كتبها في سبتمبر/ أيلول عام 1913 وكذا من الخطابات التي كان يرسلها إلى الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل عام 1912.

صياغة أفكار

كتب فتجنشتين أغلب رسالته المنطقية الفلسفية أثناء اشتراكه في الحرب العالمية الأولى، فقد صاغ أفكاره الرئيسية حول هذه الموضوعات، قبل بداية الحرب، ثم استكمل بقية أجزاء الرسالة أثناء اشتراكه في الحرب، ولم يستكملها كما ظن البعض أثناء وجوده في الأسر، بل إنه كان انتهى من كتابتها قبل وقوعه أسيراً، إذ إنه حينما وقع في الأسر كانت معه في حقيبته التي يحمل فيها أمتعته، فقد انتهى من الرسالة حينما حصل على تصريح من الجيش بإجازة يقضيها في فيينا في أغسطس/ آب عام 1918 في حين أنه أسر في نوفمبرتشرين الثاني 1918 وظل أسيراً حتى أغسطس 1919.

وأثناء وجوده في الأسر استطاع أن يتصل برسل، ويرسل إليه المخطوط عن طريق كينز زميله في الدراسة في كمبردج، وكما قرأ رسل مخطوط الرسالة كان له الفضل أيضاً في نشرها، ففي عام 1919 التقى فتجنشتين بعد خروجه من الأسر، رسل في هولندا لمناقشة المخطوط، ثم كتب له مقدمة طويلة نشرت بعد ذلك مع الترجمة الإنجليزية للرسالة.

وهناك اعتراضات كثيرة على الترجمة الإنجليزية، يوجهها أغلب من تناول «رسالة» فتجنشتين بالدراسة، ويعتبرونها ترجمة سيئة بعيدة عن الدقة في اختيار الألفاظ التي تعبر تعبيراً صحيحاً عن أفكار فتجنشتين، فيقول فون رايت: «إن هذه الترجمة تحتوي على عدد كبير من الأخطاء التي أفسدت المعنى، وإن الإنسان ليرجو أن يرى هذه الأخطاء وقد تم تصحيحها في أقرب فرصة».

خيانة الترجمة

نشرت «الرسالة» لأول مرة بالألمانية عام 1921 وكما يوضح الكتاب «فإن عدم دقة الترجمة الإنجليزية يرجع إلى صعوبة الفكرة التي يتناولها فتجنشتين بالدراسة والبحث، خاصة في ما يتعلق بالمنطق، والطريقة التي يعرض بها أفكاره في شكل نتائج نهائية لعمليات فكرية سابقة، لم يذكرها لا في رسالته، ولا في غيرها، فقد كان حريصاً على ذكر النتائج أكثر من حرصه على ذكر البراهين أو الحجج التي أوصلته إلى هذه النتائج».

وإضافة إلى عدم التزامه أحياناً بطريقة واحدة لاستخدام الألفاظ في «الرسالة» وليس الاعتراض عليها مقصوراً على الخطأ في ترجمتها الإنجليزية فقط، بل يعترض البعض كذلك على وجود خطأ في فهم الأفكار والمعاني التي ذهب إليها، ويمثلون لذلك بالخلط الذي ذهب إليه رسل في مقدمته للكتاب، الأمر الذي جعل فتجنشتين غير راض عن هذه المقدمة، حتى إنه فكر في أن يترك موضوع نشر الرسالة تماماً وكان ذلك في عام 1919، خاصة لما ذهب إليه رسل من أن فتجنشتين كان يهدف إلى إقامة لغة مثالية.

وعبّر فتجنشتين نفسه عن هذا المعنى في خطاب له إلى رسل يقول فيه: «أشكرك على ما كتبته، وإن كنت لا أتفق معك في أغلبه، سواء كان نقداً، لي أو شرحاً لأفكاري، لكن هذا لا يهم، فالمستقبل سيحكم بيننا، وحتى إن لم يفعل وظل صامتاً، فهذا سيكون بمثابة الحكم أيضا»، كما عبّر قبيل طبع الكتاب عن عدم رغبته في طبع المقدمة التي كتبها رسل، ويقول في رسالته إليه: «إنك ستغضب الآن لما سأخبرك به، وهو أن مقدمتك لن تطبع، فقد طلبت من الناشر ألا يطبعها، ومن المحتمل ألا يطبع أيضاً كتابي».

طريقة جديدة

يمكن القول بصفة هامة، إن أهمية رسالة فتجنشتين تتلخص في أنها قدمت لنا طريقة مثيرة وجديدة في كيفية تناول المشكلات القديمة للفلسفة، ويقول فتجنشتين إن نظرته إلى أعماله الفلسفية لا تعني بما إذا كانت النتائج التي وصل إليها صادقة، أو غير صادقة، فالمهم أن منهجاً جديداً قد وجد، وأصبح عمل التحليليين ليس هو تقرير أحكام من نوع معين، أو عدة قضايا معينة، بل هو حل للمشكلات التي نشأت نتيجة لسوء فهم منطق اللغة، بالتحليل المنطقي للغة، وقد كانت هذه الفكرة ذات أثر بالغ في فلسفة التحليل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"